حالة الأدباء الخلقية دراسة العشير الذي لا يُخاتل لا دراسة القائل بما يسمع. ولابد أن الأستاذ قد أيقن من اتفاق طوائف الأمة في الخصائص الخلقية. ولو أنه أتيح له أن يدرس أخلاق الأدباء لوجد أن الخصائص الخلقية متشابهة فيهم بالرغم من المذهب القديم والمذهب الجديد، وأن التفاوت الفردي بين آحاد كل طائفة ربما كان أهم من تفاوت أدباء كل مذهب. فالاستقامة والصدق والعفة والنزاهة والسماحة في الخلق والوفاء الخ ليست ملكا لمذهب في النثر أو الشعر. وكذلك اللؤم والكذب والغدر والانصراف إلى الملذات والحقد ليست ملكا لمذهب في الشعر أو النثر. ولو أن الأستاذ بحث هذه الخصال لوجد أن خصال الحمد والذم لابد أن توجد في المذهبين، فأن هذه خصال وميول متوارثة تزيدها حوادث الحياة وحالاتها قوة أو ضعفاً. أما غير هذا الرأي فلا يأخذ به إلا من يسهل أن يخدعه التعصب لجماعته، فأن المذهب القديم أو الجديد ليس دينا له أخلاق معينة لا يتعداها، وإلا فإن الأديب الذي يكتب على طريقة الأدب الجديد متأثرا بالأدب الأوربي ويطري الاستقامة، يعد في نظر الأستاذ كافرا بالأدب الحديث؛ وإن الأديب الذي يطري أبياتا فيها مجون من صنع شاعر من شعراء المذهب القديم يعد كافرا بالمذهب القديم. وعلى هذه القاعدة يكون أكثر شعراء العرب وأدبائهم من عهد امرئ القيس (كما ذكر الأستاذ خلاف) إلى عهدنا هذا كافرين بالمذهب القديم؛ وإذاً لا يكون هناك مذهب قديم في عالم الوجود، ويكون السيد توفيق البكري متفرنجا عندما اختار لابن الرومي أرجوزته النونية في وصف الزنا، ويكون الشيخ شريف مفتش اللغة العربية ورجل التربية متفرنجاً عندما شرح أرجوزة اللواط لفظاً ومعنى، أو يكون الأديب الواحد تارة من أنصار المذهب القديم إذا تمثل بأبيات من زهد أبي نؤاس أو أبي العتاهية، وتارة من أنصار المذهب الجديد إذا تمثل بمجونهما. ويكون إذاً حافظ إبراهيم من شعراء المذهب الجديد إذا قص قصص المجون في مجالسه أو روى أشعار المجون، ويكون حافظ إبراهيم نفسه من شعراء المذهب القديم إذا تناول مسبحة وروى أشعار الزهد والتقوى، ويكون كل أديب أو شاعر من شعراء أو أدباء المذهب القديم كما يكون حافظ في حالتيه. ويكون الأديب منهم من أنصار المذهب الجديد إذا تمثل بأبيات من لزوميات المعري لا يرضى عنها الأستاذ الغمراوي، ومن أنصار المذهب القديم إذا تمثل بأبيات أخرى من اللزوميات يرضى عنها الأستاذ. وفي اللزوميات ما يرُضي وما لا