للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يرُضي الأستاذ؛ ويستطيع الأستاذ أن يتخلص من هذه الورطة فيقرر أن الشاعر الذي يجهل اللغات الأوربية ولا يقرأ الأدب الأوربي المنقول إلى العربية هو من أدباء الفضيلة (والفضيلة كما قرر الأستاذ هي المذهب القديم) حتى ولو قال النثر والشعر في المجون والزيغ متأثراً بمجون وزيغ شعراء (الفضيلة) القدماء ممن كتبوا باللغة العربية، وأن الأديب الذي يعرف اللغات الأوربية والذي درس آداب اللغات الأوربية والذي يعد نفسه من أدباء المذهب الجديد هو في الحقيقة من أدباء (الرذيلة) حتى لو أطرى الفضيلة كما أطراها شكسبير وفكتور هيجو. وإذاً يكون من الواجب المحتوم أن الشاب الذي لا هو من أدباء المذهب القديم ولا الجديد، لأنه ينقل عبارات إفرنجية نقلا حرفياً كالضحكة الصفراء (وغيرها من العبارات المضحكة التي يدعي أدباء المذهب القديم أنها من خصائص المذهب الجديد) أقول إنه من الواجب المحتوم أن يعد هذا الشاب من أنصار المذهب القديم مادام يطري الفضيلة حتى ولو أطراها كما أطراها فكتور هيجو إطراء صحيحا ولكن بأسلوب عربي سقيم، وأخشى أن هذا المنطق الغريب قد يسوقنا إلى أن نعد الأسلوب السقيم إذاً من خصائص المذهب القديم مادام صاحبه يطري الفضيلة، وأن نعده من خصائص المذهب الجديد إذا كان صاحبه يطري الرذيلة. على أننا لو فرضنا أن الأستاذ قد أصاب في جعله المذهب القديم مرادفاً للفضيلة وأنه عقيدة دينية، فكم من معتنق عقيدة يقول بلسانه ما لا يتفق وأخلاقه وأعماله! فكيف به وهو ليس عقيدة دينية حتى ولو كان كل أدبائه من عهد حسان بن ثابت إلى اليوم منزهين عن الفحش في قولهم وعملهم فكيف به وليسوا كلهم منزهين عن الفحش في قولهم وعملهم بل كان منهم من بلغ من الفحش في القول والعمل غاية ليست بعدها غاية. ألا يرى الأستاذ أن جعله المذهب القديم مرادفاً للفضيلة مع هذه الحقائق يؤدي إلى أن ينافق من ينافق فيدعي أنه حامي حمى الدين والفضيلة كي ينال ما يرادف هذه الألقاب حسب اصطلاح الأستاذ فيلقب بزعيم النثر وسلطان الشعر؟ إن بعض أدباء المذهب القديم قد نشروا هذا الاصطلاح بكل ما أوتوا من بيان، كما كان كل فريق من الدول في الحرب العظمى يدعي أنه حزب الله المصطفى وأن الفريق الآخر حزب إبليس الخاسر عليه لعنة الله. فكان الإنجليز يقولون إنهم يدافعون عن الفضيلة والحضارة والعدل والخير والحق، وإن خصومهم خصوم هذه الصفات العليا. وكان الألمان ينشرون مثل هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>