أدب الجاهلية أدب شخصي وجداني يمثل غرائز الفرد ومشاعره ووجدانه. ولا يمتد هذا التمثيل لأكثر من القبيلة التي ينتسب إليها الشاعر ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً بحكم النظام القبلي القائم على التعاون للدفاع عن النفس وحفظ الحياة.
والأدب الجاهلي يتميز عن الأدب العربي في العصور الأخرى التي تلته بالصدق والصراحة وهما الفضيلتان اللتان كان يتحلى بهما العربي في ذلك العهد، فإذا وصف الشاعر شجاعته أو شجاعة فارس من قبيلته لأنه إنما يصف شعوره الخاص وبشجاعته أو ما وقع تحت حسه وإدراكه من شجاعة ممدوحة. وإذا وصف نفسه أو قبيلته بالكرم فهو صادق كل الصدق في الوصف لأنه يصف حقيقة واقعة لا يعتريها شيء من التدليس أو الادعاء الكاذب. وإذا وصف نوعاً من الجمال فإنما يصف ما يحس به شعوره بهذا الجمال، وإذا باح بعواطفه في حبه فلا يخالجنا شك في أنه محب حقاً بالقدر الذي وصفه وباح به.
وأنك لترى في الأدب الجاهلي هذا النزوع القوى للمقاتلة وهى الغريزة التي أثارها في نفس العربي النظام القبلي وما يقتضيه هذا النظام من المزاحمة على اللقمة والجرعة وما إليهما من أهداف الرغبات الغريزية التي لا غنى عنها في هذه الحياة. وقد كانت هذه الغريزة عنها من الانفعالات والعواطف والنوازع، المنبع القوى للفضائل والأخلاق التي مثلها الأدب في ذلك العهد.
وقد ظل هذا الأدب ممثلاً للنفسية العربية الخالصة ومرآة تنعكس عليها هذه النفسية بقوتها وحرارتها وبساطتها فتبدو فضائلها ومساوئها ظاهرة واضحة، فترى الصدق والإخلاص والصراحة والعفة والشجاعة والمروءة والكرم، وترى الأنانية وسرعة الغضب وحدة المزاج والقسوة والانتقام.
ظل العرب في جاهليتهم كما ذكرنا، وظل أدبهم كذلك حتى اشرف عليهم وعلى العالم نور الإسلام القوى فانبهرت عيونهم من قوة النور، وانزعجت نفوسهم من شدة المفاجأة، أغمضوا عيونهم في أول الأمر لأنها اضعف من تحتمل هذا النور القوى، وانكمشوا عن الإسلام لأنه فوق ما تحتمل النفوس البسيطة الوادعة على رمال الصحراء، وفوق ما