إن أثر الأفراد في تغيير مجرى التاريخ من الموضوعات الطريفة التي جلبت اهتمام المفكرين في كافة العصور. ولا عجب إذا وجدنا الفلاسفة يولون هذه المشكلة عنايتهم، فيثيرون الجدل حولها. ومن الجدير بالذكر أن هذا الجدل جعل الفلاسفة ينقسمون إلى فئتين متناقضتين: فئة تقول: (إن التاريخ في جوهره عبارة عن سير العظماء)؛ أو بكلمة أوضح:(إن التاريخ من صنع الصفوة الصالحة من الذين يؤلفون زعامة اجتماعية مستمدة من مزاياهم الشخصية). أما الفئة الثانية فتدعى عكس هؤلاء تماماً، ولسان حالها يقول: إن العظماء نماذج كاملة للبيئة التي يعيشون فيها.
إن فيمن يعضد نظرية تأثير العظماء في سير التاريخ وقدرتهم على تغييره الكاتب الإنكليزي (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال وعبادة البطولة) فيتحدث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم و (أوليفر كرومويل) ويجعلهما أمثلة للرجال العظماء الذين غيروا مجرى التاريخ. أما رأي (كارليل) في نابليون فيختلف كل الاختلاف عن رأيه في النبي محمد وكرومويل، إذ أنه يجرده من صفة العظمة. ويشاركه في هذا الرأي الكاتب الروسي (تولستوي) الذي يحلل شخصية نابليون بقوله: (إنه رجل خلقته الظروف والمصادفات التي تحكمت في انتصاراته أول الأمر ثم عادت فسببت خذلانه واندحاره).
ومن أبرز المؤرخين المعاصرين في إنكلترا الذين شرحوا نظرية العظماء وأثرهم في التاريخ السر (شارل أومان) أستاذ التاريخ في جامعة أكسفورد الذي يعارض نظرية التطور التي فحواها: إن التاريخ سلسلة من الحوادث التدريجية الاعتيادية. وبهذا تتغافل هذه النظرية عن أثر العظماء وقدرتهم في تغيير التاريخ فنجعل من أعمالهم صورة للأمور التدريجية الاعتيادية المحتمة الوقوع.
إن السر (أومان) من مؤيدي نظرية العظماء، ويدعم رأيه بأمثلة لأشخاص غيروا مجرى التاريخ دون أن يكونوا ممثلين لبيئتهم التي عاشوا فيها. وأول مثل يستشهد به هو النبي محمد (صلعم) فيقول: (لقد أخفقت في محاولاتي الكثيرة لإيجاد مؤرخ واحد يستطيع البرهنة على أن النبي محمد (صلعم) كان وليد الحالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية