الأمواج وانخفاضها على سطح البحر، بينما الروح باقية أبداً في الموت والحياة مثل بقاء البحر سواء علت أمواجه أم هبطت. ولا تغالي إذا زعمنا أننا نطلب الموت حين نرفضه، لأن خوفنا منه يحبس الروح في حدود الحياة الأرضية، ويلزمها أن تعيش على وتيرة واحدة لا تغير فيها، ولا تسمح بأي تطور يعتريها، فلا تحس بأي دافع يحفزها لتجعل حدودها شيئاً لا نهائيا، ولا تستطيع أن تتصور أن الحصول على الكمال الروحي، قد ينتهي بها إلى موت دائم وحياة دائمة يسيران جنباً إلى جنب في وقت واحد، لأن بلوغ الكمال لا يتم إلا بعد فناء الذات الفردية وبقاء حقيقة وحدة الوجود الإلهية.
وهكذا لا يبعث المرض والشيخوخة والموت على التشاؤم، ما دام الإنسان لا يجهل حقيقة اتحاد الخليقة بالخالق، ويعمل على تحقيقها في ذاته، ويؤمن بخلود الروح في اللانهاية. أما الذين يمعنون في التشاؤم، ويستشهدون بالموت في تدعيم نظرتهم العابسة نحو الحياة، لا شك أن تشاؤمهم ليس إلا نزوة فكرية أو انحرافاً عاطفياً ينبذ ما في الحياة من سعادة وخير وحب كما ينبذ المريض الطعام الصحي، ويعب في شراب التشاؤم الفاسد، الذي يسمم النفس؛ نغم مصطنع يوحي إليها بالأفكار الحزينة، ويبعث فيها العواطف الضالة التي يمكن أن تبدد من الأذهان بمجرد ملاحظة قدرة الحياة على التقدم المستمر، ونجاحها المتواصل في تحقيق مآربها الحضارية التي تنشد الوصول إلى أقصى درجات الكمال، لتنعم البشرية بحياة ملائكية في سرور إلهي سروري.
وينتهي طاغور من ذلك كله إلى أنه لا ينبغي أن نهيم في واد من الهواجس المرعبة، أو نغرق في خضم من الأوهام السود، أو نرى الوجود قائماً على العذاب والحزن، فنهجر الحياة هربا من آلامها وخوفاً من أشرارها؛ وإنما يجب أن نخوض المجتمع الإنساني واثقين من أن كل من يجتهد في سبيل وحدته بالله الذي يتجلى في كل شيء في الوجود، سيتغلب حتما على ما يقابله من أحزان وآلام، ويقتلع الشر من أساسه، ولا يجد في المرض والشيخوخة والموت إلا أحداثاً تافهة تمر بكل إنسان، ولا تؤثر في حياته، ولا تلهيه عن توجيه عنايته نحو الله، ليفوز بالاتحاد به ويعيش في السرور الذي صدر عنه.