الاجتماعية مهما كبر سنه، لأن روحه ستظل شابة إلى الأبد تحس بقوة دافعة إلى الاضطلاع بأعظم الأعمال بدون أن تنفر من كد الحير أو تتألم من قسوة العمل.
ولذلك لا ينبغي أن يقصر أحد في تحقيق وحدة الوجود، فإنها تسوقه إلى ذلك السرور الذي بزغ منه، وتنجيه من آلام المرض ومخاوفه، ومن هزال الشيخوخة وخذلان القوى. أما الموت الذي يعد المصدر الرئيسي للتشاؤم، والذي عول عليه كل متشائم في تعزيز نظرته الداكنة نحو الحياة، فما هو إلا حدث من تلك الأحداث التي تقابل الإنسان في طريق الحياة، وهو لا يحول دون تقدمه، ولا يقف عثرة في سبيل رقي البشر. كما أن الحياة لا تعطي له من الأهمية بحيث تشغل به فكر الإنسان، فيغفل عما هي قائمة عليه من سرور، وما يمكنها أن تبعثه في نفسه من غبطة وحبور. والذي يشهد على ذلك هو أن الإنسان يلهو ويلعب ويضحك كما يجد ويعمل ويدخر ويأخذ أهبته لذلك اليوم الذي يفاجئه فيه الموت. بل إن سير قادة الروح تدل على أن الموت لا يوجد ثغرة في ميدان الحقيقة التي يسعون إليها، لأنه لا يؤدي إلى فناء الروح الخالدة، ولا يعوق تلاشيها في الذات الإلهية، أو يعطل تحقيق وحدة الوجود، إذ أن الروح لن تموت أبداً، ما دامت هي والعالم الذي يكمن فيه الله شيئاً واحداً، وتنم عن صورة من سرور الله الذي أظهر بها ذاته في الكون
فالموت ليس له أثر عميق في الحياة، ولا يعبر إلا عن حادثة فردية، لا تفسر إلا ذاتها فقط، وإنما تفزع منه عندما تلتفت إلى حادثة من أحداثه، وتنظر إليها نظرة منفصلة عن الحياة الشاملة التي تضم جميع الأحداث الإنسانية التي من بينها الموت. ومثل من يبالغ في جزعه من الموت في ميدان الحياة، مثل من ينظر إلى جزء صغير من قطعة قماش كبيرة خلال مجهر، فتبدو له كالشبكة، فيرتعد فرقا من مجرد مشاهدة خروق هذا الجزء المكبر، بدون أن ينتبه إلى بقية أجزاء قطعة القماش.
ولكي يذهب عن الإنسان ذلك الهلع الذي يثيره الموت في نفسه، يجب أن يعلم أن هناك وحدة مزدوجة في الحياة تشمل الموت والحياة معاً، وأن الموت مظهرها السلبي الخادع لأنه موت لا يسبب فناء الروح وإن كان رفيقاً لا يفارق الحياة، بل إن الروح العظيمة ترحب بالموت، وترى الدوام فيه وفي الحياة على حد سواء، وتقبل أن تضحي بوجودها الدنيوي في سبيل تحقيق وحدة، وتنظر إلى ظهور الإنسان واختفائه على أنه شيء أشبه بارتفاع