عن الهوى المؤدي إلى الله، ومسائل تحقق وحدة الوجود التي تبعث السرور. لأن التمسك بالفضائل من غيرية وتضحية وحب للإنسانية، تطهر النفس من العواطف الشريرة والانفعالات القاسية التي تعرض الحياة لمختلف ضروب الآلام النفسية. بينما العمل الخير النافع يقوي العلاقات بين الأفراد، ويوثق الروابط بين الدول، ويحث الجميع على المساهمة في الشئون الإنسانية، ويساعد على تنقية الفكر من الاتجاهات التشاؤمية، وتبرر له ضرورة اندماجه في الحياة الاجتماعية.
وبذلك يقضي العمل على كل نزعة تحض على الهرب من مشاكل الأرض. ولا يقل شأن العلم في حياة الإنسانية عن شأن القيم الأخلاقية والعمل الخير، إذ أن معرفة القوانين الطبيعية فضلا عن أنها تبين ملامح الله في وجه الخليقة، فإنها تفهمنا كذلك طبيعة الأشياء وكيفية سيرها. وذلك يسهل علينا إصلاح أي خلل يصيبها. فهي تعرفنا قوانين الجسم الإنساني، وتعدد أسباب إصابته بالأمراض، وتبين وسائل مقاومة هذه الأمراض التي أرهبت الهند منذ فجر الحضارة، وتخفف من حدة آلامها التي دفعت الهند إلى هجرة المجتمعات. وبذلك يزيل العلم خوفنا من المرض وما قد يحدثه في النفوس من ذعر واضطراب وريبة. . .
فالهندي في طريقه نحو الله يزداد إيمانه بالقانون الخلقي لأنه يجلب السرور، ويقوى اعتقاده في أن السعاة في الانغماس في الحياة اليومية لا في الهرب منها؛ ويستفيد في معرفة قوانين الطبيعة في توضيح أسباب المرض، وتعرض عليه كيفية علاجها وتعلمه طريقة تجنب آلامها، فتصون عليه مصائبها، وتذهب عن نفسه تلك الهواجس التي تفسد حياته وتحصرها في آلام وهمية، وأحزان مبالغ فيها.
وتحقيق وحدة الوجود لا يستأصل بذور التشاؤم من النفس، أو يقضي على مخاوف المرض، ودائماً يهيئ النفس كذلك لأن تبقى في شباب أبدي لا يلحقه الهرم، ولا تدركه الشيخوخة، ويحافظ دائماً على حيوية الروح، حتى لا يسري العجز إطلاقاً إلى قوتها، ويحمي النفس من الضعف والوهن. لأن الإنسان في مثل هذه الحياة الإلهية يعيش في كنف اللانهاية التي لا تعرف غير نضارة الشباب وقوة الفتوة. فمن بلغ درجة الفناء في الله، وغمرته وحدة الوجود لا تتصدع قواه، ولا تختل طاقاته، ولا يتخلف عن مهام الحياة