الخلق انطلق من السرور اللانهائي حينما غمر الخالق هذا السرور، وأن سعادة الحياة في عودة الإنسان إلى مصدره الأصلي أي إلى السرور. فالخلق يخرج من السرور بالسرور ويرجع إلى السرور، والحياة قائمة على السرور تستمد منه نشاطها وتطورها، بل هو حافزها إلى التقدم والرقي. وإن كانت هذه الآراء أفكارا هندية قديمة، فإن طاغور أضفى عليها من ضياء نفسه ما جعلها تبدو كأنها صادرة منه، ولم تصدر من أحد قبله، لأنه أعطاها قيمة أولية، واتخذ منها مبدأ يزيل به ما يعلق بالنفس الهندية من نزعات تشاؤمية، حببتها في حياة سلبية اعتزالية بعيدة عن ميادين الأرض الحيوية، مما حمل المستشرقين على اتهام العقلية الهندية بأنها تقف من الحياة موقفاً سلبياً، وتعجز عن الاندماج فيها، ولا تقدر أن تسلك طرقاً إيجابية فعالة تفيد الإنسان في عيشته الواقعية أو تقدم ركب الحضارة الإنسانية.
ولكن ما الذي يفزعنا من المرض والشيخوخة والموت ما دمنا نعلم أننا انبثقنا من السرور بالسرور وأننا يجب أن نسعى لنعود إلى السرور إذا أردنا أن نعيش في سعادة لا يشوبها ألم.
لا ريب أن تحقيق وحدة الوجود بتلاشي الفرد في النفس الإنسانية ثم في محتويات الطبيعة، هو السبيل المباشر لذلك السرور. لأن فناء الفرد في النفس الإنسانية يتطلب التمثل بقوانين النفس الأخلاقية عن طريق خوض المجتمعات الإنسانية، حتى تمتحن أعماله، وتختبر مشاعره، ويتأكد من صفاء نيته في الاتحاد بالله.
فإن جاهد في سبيل الله، وعمل على رقي الحياة البشرية، ولم يبال بما يقابله من صعاب، ولم ينظر إلى منافعه الخاصة، فقد سار في طريق وحدة الوجود، وقرب من السرور الإلهي. وإذا استمر في السير في طريق الله، وعمل على أن يمحي ذاته في محتويات الطبيعة بالكشف عن القوانين الطبيعية مدركا أنها رسل الله في الكون، وآياته البينات التي تشير إلى وجوده في كل مكان، فبشره بالفوز بالحياة في السرور المطلق لأنه أدمج في ذاته النفس الإنسانية بالطبيعة الكونية وحقق وحدة الوجود.
وهكذا لم يكتف طاغور بإخراج الإنسان من السرور بالسرور، وإنما اتخذ من السرور نفسه محوراً جوهرياً تدور عليه حياته، إذ اعتبر القيم الروحية والعمل الخير النافع والعلم البعيد