رأيت نفسي فجأة في ديار خيم عليها ظلام وهبب صامت، برزت فيه صور وأشباح مبهمة ملأتني خوفا ورعبا، ولقد ألفت عيني بعد حين حلكة الظلام ورأيت بجانب نهر تنساب مياهه في هدوء شبح إنسان رهيب المنظر على رأسه قلنسوة أسيوية، ويحمل على كتفه مجدافا عرفت فيه أوديسيوس الخادع، وكان خداه غائرين وقد غطت ذقنه لحية بيضاء شعثاء
سمعته يقول بصوت خافت ضعيف: إنني جوعان، وأحس بعيني مظلمتين ونفسي كأنها دخان ثقيل يسبح في الظلام؛ ألا من يعطيني جرعة من الدم الأسود لأستعيد ذكرى سفني المنقوشة وزوجتي الطاهرة وأمي!
فلما سمعت هذه الكلمات عرفت إنني قد انتقلت إلى بقاع الجحيم، فحاولت أن أسترشد في خطوي بأوصاف الشعراء ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وذهبت إلى مرج قد أضاءه نور ضئيل. وبعد مسير نصف ساعة انتهيت إلى رهط من الأطياف قد اجتمعت في صعيد واحد وأخذت تتطارح الحديث وهي تضم نفوسا من كل عصر، فرأيت بينها الفلاسفة العظام بجانب الهمج الفقراء، ولقد اختبأت تحت ظلال شجرة من أشجار الريحان، وأنصت إلى حديثهم، فكان أول من سمعت (بيرهون) وهو يسأل في رقة وتوسل وقد أمسك بيديه قدومه كأنه بستاني بحق:
ما هي النفس؟
فأجابته الأطياف التي حوله باهتمام وكلها يريد التكلم دفعة واحدة. قال أفلاطون وفي عينيه نظرة الرجاحة: ان النفس ثلاث، فلنا نفس نهمة في البطن، ونفس محبة في القلب، ونفس عاقلة في الرأس. والنفس خالدة، أما النساء فلهن نفسان وتعوزهن النفس العاقلة. فرد عليه شيخ من أعضاء مجلس ما كون قائلا: انك تتكلم يا أفلاطون كمن يعبد الأوثان، ففي سنة ٥٨٥ قرر مجلس مكون بكثرة الأصوات اعتبار المرأة ذات نفس خالدة، والمرأة هي الرجل لأن المسيح الذي ولد من عذراء يدعى في الإنجيل بابن الرجل.