إن الروح العالمية التي أملت على وزارة المعارف التنازل عن سلطانها إلى فروعها في المناطق التعليمية الإقليمية وفي إدارات مدارسها بمشروع اللامركزية الذي وضعته ونفذته أخيراً - تلك الروح تستحق كل ثناء وإعجاب لأنها تدل على أن الوزارة جادة في تلمس أسباب الإصلاح. وإذا كانت هذه هي الخطوة الأولى في سبيله فإنه لا بد أن يتلوها خطوات؛ لأن الإصلاح يتطلب بجانب لتنظيم إدارات التعليم تنظيماً لمعاهد التعليم على أسس جديدة تغير من روحها ومن جوهر الحالة القائمة فيها لتنتج الخطوة الأولى نتيجتها. وبث الروح الجديدة في المعاهد يتطلب مجهوداً جباراً ويتطلب تعاوناً صادقاً من الرجال ذوي التجارب الذين مارسوا المهنة طويلاً، والذين يشرفون على معاهد التعليم، والذين يطلب منهم أن يقوموا بإخلاص بتنفيذ الأسس الجديدة. فلا بد لهؤلاء وهؤلاء أن يقتنعوا بما في المدرسة القائمة من عيوب وأن يقتنعوا بما يجب نحوها من تغير وتبديل بحث وتمحيص. ومشكلة التعليم يجب ألا تحصر في تغيير أسماء بأسماء أخرى، أو في نقل موظفين من هنا إلى هناك، أو في خلق وظائف قد لا يكون لها مبرر. إنما مشكلة التعليم الأساسية هي في المدرسة: في نظمها القائمة، وفي مدرسيها، وفي الروح السائدة فيها، وفي روح طلبتها.
فإذا كنا قد شكونا قديماً من أن روح المدرسة كانت محصورة منذ زمن بعيد في تلقين التلميذ كثيراً من المعلومات ليصبها صباً في ورقة الامتحان ثم ينساها بمجرد الانتهاء منه، فإن هذه الروح لا زالت قائمة إلى اليوم وهي التي تملي على المدرسة ومدرسيها أعمالهم، وتملي على الطلبة طرق السير في حياتهم وفي تفكيرهم، وفي غدواتهم وروحاتهم.
وإذا كنا شكونا حتى بحث الأصوات في كثير من الأوقات بأن المدرسة تباعد بين المتعلم وبين الأعمال والمشاريع الحرة، وإن كل متعلم متى حصل على شهادة فهو لا يفكر في عمل يعمله غير الوظيفة، وأن المتعلمين زاد عددهم قبل الحرب زاد عددهم قبل الحرب زيادة كبيرة، ونعتقد أن سيتضاعف عددهم بعد الحرب، فأن السياسة التي رسمت أخيراً