للوظائف بتسعير الشهادات وأعمال الإنصاف قد زادت أبناء الأمة تشبثاً بالوظائف واندفاعاً في سبيلها وتعلقاً بأهدافها فزادت بذلك مسافة الخلف بينهم وبين العمل الحر، وارتفعت نسبة عباد الوظيفة من المتعلمين حتى أصبحت المدرسة بحق هي المصنع الدائم لصناعة الموظفين!
وإذا كنا شكونا قديماً وقلنا بأن المدرسة لا تعني عناية مباشرة بتكوين النواحي الخلقية الضرورية في أبنائها أو بغرس الأخلاق القويمة التي تتطلبها حياة الأفراد والجماعات اليوم من صبر على المكاره ومثابرة على العمل وجهاد وتعاون على الخير الخ. فإن المدرسة لا زالت إلى اليوم تهمل كل هذه النواحي الهامة التي لا ينجح في الحياة فرد ولا مجتمع إلا بها. وإذا كنا شكونا قديماً من أن المدرسة تعني العناية كلها بالأمور المظهرية والصورية دون الأمور الجوهرية في اتصالاتها وأعمالها وحفلاتها فإن الحالة لا زالت تجري اليوم كما كانت قديماً. وإذا كنا شكونا من أن الاتصال الروحي الذي كان قائماً بين التلميذ وأستاذه والذي كنا نحسه قديماً في تلميذتنا يسري في دمائنا ويدفعنا دفعاً إلى تمجيد أساتذتنا واحترامهم مما كان يبعث في قلوبنا للمدرسة الهيبة والتقديس قد أخذ في التضاؤل حتى أصبح شيئاً تافهاً، فإنا نحس اليوم أن ذلك الاتصال الروحي قد انقلب مع الأسف إلى ضده حتى أصبحنا نرى تلاميذ المدارس ينتهزون الفرص أحياناً للنيل من أساتذتهم ونظارهم ومعاهدهم التي تؤويهم. ثم أن روح الاستهتار لم تقتصر على التلاميذ وحدهم بل تعدتهم في الأيام الأخيرة إلى بعض المدرسين الحديثين الذين اصبحوا لا يقدمون حق التقدير وأجبهم وما يلقيه عليهم من مسئوليات، فإذا عبثوا أو أهملوا وسئلوا في ذلك هزوا أكتافهم أو هربوا من المسئولية وألقوها على غيرهم ولفوا وداروا في الظلام بحثاً وراء من يحمي ظهورهم ويشجع استهتارهم بالعمل على ترقيتهم وسبق زملائهم. لذلك نجد أن الروح الجدية أخذت مع الأسف تتلاشى تدريجياً بين مدرسي مدارسنا كما تلاشت بين تلاميذنا. فما بالك إذن بروح التعاون التي تتطلبها المدرسة والجماعة والأمة في سبيل نهضتها ووحدتها!؟
ولقد زاد الطين بلة ما كان من ثورة على مناهج التعليم كأن المناهج لا المعلمين وكأن الخطط لا النظم هي التي تكون الناشئين! فلطالما اهتزت أركان الوزارة في ربع القرن الماضي بتغيير الخطط وتغيير المناهج وإطالة مدة مرحلة من مراحل التعليم وإنقاص