كان للاقتراح الذي عرضناه على مشيخة الأزهر ووزارة المعارف لحل مشكلة الأزهر رجع واحد في مختلف البيئات هو المشايعة على الأصل فيه والاتفاق على الغاية منه. والأصل فيه توحيد التعليم الابتدائي والثانوي بين أبناء الأمة؛ فلا يكون الفرق بين المتوجهين إلى الدين أو إلى اللغة، إلا كالفرق بين المتوجهين إلى الحقوق أو إلى الطب. والغاية منه تجديد الأزهر ليساير الزمن، وتنظيمه ليزامل الجامعة، فيخرج للعالم العربي كله رجالا للدين وعلومه أو للغة وفنونها يكون لهم ما للجامعيين من فضيلة المشاركة ومزية الإخصاء. إنما كان الاختلاف في مدد الدراسة، أو عدد الكليات، أو حفظ القرآن من المناهج، أو تصفية الحال القائمة، وهو اختلاف في الفروع لا في الأصل، وفي الوسائل لا في الغاية. والذي يعنينا الآن أن يقبل القائمون على أمر الأزهر هذا الاقتراح. فإذا قبلوه أمكن المختصين والمفكرين يومئذ أن يديروا الرأي فيه فيفصلوا المجمل ويكملوا الناقص.
على أن أخوف ما أخافه على هذا الاقتراح أن يطول استئذانه على المكاتب الرسمية حتى ينسى، أو تحول بعض الحوائل النفسية دون النظر فيه حتى يهمل. والشائع الذي يثبته الواقع أن الرأي أو الأمر إذا لم يدل عليه إلحاح الضرورة، أو يدفع إليه ضغط الحوادث، لا يخطره أحد بباله مهما كان أثره في سياسة الدولة أو خطره على حياة الأمة. والأمر من قبل ومن بعد إنما يعني شباب الأزهر، فإذا تركوه رهن الطوارق أو جعلوه في أيدي المقادير، ظلوا كما كانوا: طلابا من غير علم، أو علماء من غير عمل.
الأزهر يقف الآن في مفترق الطرق، ولا يذهب به إلى الأمام إلا طريق واحد، فإذا ضله رجع إلى الوراء أو خبط في مجاهل الأرض لا يصيب غرضا ولا يبلغ غاية. والنتيجة الحتمية لهذه الحال أن ينتقل معنى الأزهر إلى الجامعة ويبقى لفظه المبارك حيث كان. ومن بوادر هذا الانتقال المعنوي انضمام دار العلوم إلى جامعة فؤاد الأول؛ فإن معنى ذلك الانضمام سلب الاختصاص اللغوي من الأزهر. ولن يجدي على كلية اللغة العربية ما يعدونها اليوم من التسوية بينها وبين دار العلوم في معهد التربية؛ فإن دار العلوم ستفيد من نفوذ الجامعة ونظمها ما يوسعها ويعمقها حتى تستوعب شؤون العربية وآدابها استيعابا لا يترك وراءه فضلة.
بقي الاختصاص الديني للأزهر، والكلام في سلبه حديث قديم لا يزال يتردد على أفواه