للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذوي الرأي كلما فكروا في توحيد القضاء الأهلي والشرعي والمختلط؛ فهم يشيرون بأن تتعمق كلية الحقوق في تدريس الشريعة ليستطيع المتخرجون فيها أن يكونوا قضاة أو محامين في الدوائر التي ستنشأ للأحوال الشخصية في كل محكمة أهلية، شأنهم في ذلك شأن زملائهم في الدوائر المدنية والتجارية والجزائية.

أما أصول الدين فقد فكرت كلية الآداب - وأظنها لا تزال تفكر - في أن تنشئ لها معهداً أو كلية تدرسها على المنهج الجامعي في التقصي والاستيعاب والموازنة. فإذا أصبح تراث الأزهر نهباً مقسماً بين كليات دار العلوم والحقوق والآداب، وأضفت إلى ذلك أن التعليم الابتدائي والثانوي سيكون كله بالمجان - والمجانية ميزة الأزهر - شككت في أن يتقدم بعد ذلك اليوم إلى المعاهد الدينية طالب يريد أن يتعلم ليعيش.

الأمر إذن جد؛ وجده أخطر من أن يعالج بالتهوين أو التسكين أو المطل. وليس من الإخلاص للأزهر أن نقول إن علوم الدين والدنيا فيه، وأن له من جلالة الأثر في نفوس المسلمين ما يقيه ويكفيه؛ فإن (المجاورة) بمعناها الموروث عهد قد انقضى، والتعبد بدراسة الفقه للفقه تقليد قد مضى؛ وانتقال القيادة العالمية اليوم إلى رجال العلم الخالص أمر يبعث على طول التفكير في إعداد النشء لمجابهة الحياة بأنظمتها المتنوعة وأسلحتها الجديدة. والكلمة الآن للشباب من الأساتذة والطلاب، فإلى هؤلاء وهؤلاء نسوق الحديث. والحزم الجدير بأهل الذكر أن ينضجوا الرأي في هذا الاقتراح قبل أن يجاوزوا (منعرج اللوى)، فإني لأخشى ألا يتبينوا وجه الرشد فيه إلا بعد ذهاب الفرصة وزوال القدرة. وإن فيمن يفاخر بهم الأزهر من أمثال الأساتذة: شلتوت وعرفة والجبالي والغمراوي ودراز وأبي العيون والمراغي والمدني والبهي والصعيدي، من نربأ بهم أن يتركوا جامعتهم القديمة العظيمة في مهب الأعاصير تزلزل أركانها وتهدد كيانها، وقصارى ما يملكون لها دعاء لا يصنع معجزة، أو بكاء لا يدفع مضرة!

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>