تقدمت الدراسات العربية في القرن التاسع عشر تقدماً عظيماً في جميع الأقطار المهمة في أوربا. ولقد كان من نتائج حملة نابليون في مصر أن أصبح الشرق الأدنى العربي في مقدمة الأمور السياسية الأوربية، وأن استعيد الاتصال بين العرب والفرنك بعد انقطاع دام قروناً عديدة، فشرع الكثيرون من الرحالين الأوربيين يزورون الشرق، ودخل عدد كثير من الطلاب المصريين في جامعات أوربا الغربية لدراسة ثقافة الغرب وفنه، واستثارة اهتمام جديد بالثقافة العربية بين الغربيين
وقد بدأ العلماء الفرنسيون الذين رافقوا نابليون الحركة العلمية الجديدة في الاستشراق الأوربي. والعلماء الفرنسيون هم من أبرز المشتغلين باللغة العربية في مطلع القرن التاسع عشر. وقد أنشأ المستشرق الفرنسي العظيم (سلفستر دي ساسي) جيلاً كاملاً من العلماء من جميع الجنسيات
وكذلك نجد في إنكلترا مجموعة منظمة ذات شأن من المشتغلين بالعربية، فكان إنشاء كرسي جديد للغة العربية في جامعة لندن - وكانت قد أنشأت حديثاً - وتكوين (الجمعية الآسيوية الملكية)، وهي مجمع مستشرقي الإنكليز، مما أثر في الاندفاع الجديد نحو الأبحاث الاستشراقية. وأصبح العلماء الإنكليز في الهند وهم الذين يدرسون لغة الإسلام ومدنيته للهنود يجدون أنفسهم ملزمين بدراسة اللغة العربية التي هي مصدر جميع الثقافات الإسلامية في كل اللغات. واكتسبت آثار المشتغلين بالعربية في القرن التاسع عشر ميزة وفائدة جديدتين نتيجة للتقدم الحاصل عند العرب أنفسهم. ففي خلال القرن التاسع عشر دخلت الشعوب التي تنطق بالعربية في دور بعث ثقافي وطني. وقد كابدوا في بداية الأمر مشقة من جراء قلة الكتب العربية المطبوعة، وقلة المطابع أيضاً، ولذلك كانت الطبعات الأنيقة العديدة للمؤلفات العربية الخالدة التي نشرت في أوربا - وقسم كبير منها في إنكلترا