من كان يظن - في أثناء الحرب العالمية الثانية - أن هؤلاء الغربيين الذين ملئوا الدنيا صياحا، ورفعوا عقائرهم بالحرية والعدالة والمساواة، وبحقوق الأفراد والأمم؟ من كان يظن أنهم يجيئون في أعقاب حرب ضروس وهيجاء طاحنة، قد ضربت وشب ضرامها، وأتت على الملايين من البشر قتلا وأسراً وتشريداً، فلا يكون لهم منها عبرة ولا مزدجر، ولا تؤثر فيهم المثلاث، فيسلطون جبريتهم على الأمم الضعيفة التي منيت باستعمارهم وابتليت بدائهم، ويحكمونها بما استطاعوا من قوة الباطل وأساليب الظلم التي لا تعرف الرحمة الإنسانية، ولا الشفقة التي يجب أن تكون بين بني الإنسان!!
بالأمس رأينا كيف بطش الفرنسيون بأهل الجزائر في شهر مايو الماضي، فضربوا البلاد ببوارجهم الحربية وطياراتهم المدمرة ونكلوا بالأحرار من أبنائها
واليوم نقرأ في إحدى الصحف اليومية أن الحكومة الإسبانية تنهج نهج الفرنسيين وتسير على غرارهم في التنكيل بمراكش التي أصيبت بالاستعمار الإسباني، كأنها سياسة مرقومة وخطة مرسومة من المستعمرين لا محيد لهم عنها ولا محيص، وهو أن يسلطوا قوتهمالغاشمة على من يقع في حبائلهم من الأمم الضعيفة حتى تخبت وتخشع وتضرب عليها الذلة والمسكنة، فلا يرتفع لها صوت بحق، ولا تجأر بدفع ظلم، فأين مبادئ الحرية والعدالة التي أعلنها أقطاب الأمم المنتصرة؟ وأين الوصايا الإنجيلية التي نشروها في الخافقين؟ بل أين الأربع التي بشروا بها العالم الجديد وزعموا أنها تكفل تحقيق عهد يسوده السلام والأمن والحرية والعدل؟!
إن الحكومة الإسبانية قد فتحت باب الهجرة على مصراعيه للإسبانيين يتدفقون منه على مراكش العربية، ومنحتهم من وسائل التيسير والإغداق ما يمكن لهم في أرضها، ويجعلهم يتحكمون في رقاب أهلها، وما يصيرهم بعد قليل من الزمن أكثر عددا من أبناء البلاد، وأقوى عدة وأكثر مالا، وأعز نفرا، وبذا يتسنى لهم جعلها جزءاً متمما لإسبانيا، وإقليماً من أقاليمها، كما تحاول ذلك فرنسا في الجزائر، وليس أقوى دليل ولا أصدق شاهدا على ذلك من أن الإسبانيين قبل الحرب الأهلية لم تكن نسبتهم في مراكش تعدو ٧ % من سكانها،