فأصبحوا بعد سبع سنين قد ذرفوا على ثلث أهلها: سياسة ما أشبهها بسياسة الصهيونيين في فلسطين، يقصدون من ورائها التغلب على أبناء البلاد مما يكون لهم من كثرة العدد وقوة الحكم والاستعمار، ويقصدون إلى قهر العرب والمسلمين بحملهم على التجنس بالجنسية الإسبانية مكرهين، أو بطردهم من البلاد صاغرين!
ولكي ينفذ الأسبان تلك السياسة الباطشة، ويحققوا مآربهم الظالمة، ويسيروا في سبيل الإثم والعدوان بنجوة من الرقباء، ومنأى من الأحرار الذين يغضبون للحق، ويثورون على الظلم - أحاطوا بالمراكشيين، وأخذوهم بأساليب العنف والاستبداد، وسلطوا عليهم وسائل الإخافة، واسترهبوهم وجاءوا بأمر عظيم، فاعتقلوا الزعماء في بيوتهم، ونفوا الأحرار إلى بلاد غير بلادهم، ثم عمدوا إلى الصحف فعقلوا ألسنتها، وحطموا أقلامها، وقضوا على حريتها، ثم أمعنوا وعتوا عتواً كبيراً: فألغوا كثيراً من الوظائف الشرعية، ومنعوا الاجتماعات والمحافل العامة، حتى المحاضرات العلمية ذادوا الشعب عنها وحالوا بينه وبين الاستماع إليها
ظلم عبقري، وجور ليس له ضهى، لا يصدر إلا عن نفوس قد تجردت من نوازع الخير، وقلوب قد ران عليها ما اكتسبت من الإثم والعدوان. وحيل بينها وبين خلال البر والرحمة والإحسان
ألم يحدثكم التاريخ - معشر الأسبان - بأن أسلاف أولئك المراكشيين من العرب والمسلمين قد فتحوا بلادكم فأنقذوكم من ظلم الونداليين، وجور القوطيين، ثم أظلوكم بلواء العدل والرحمة ونشروا بينكم المبادئ السامية والعلوم النافعة، وكان شعارهم في حكمهم:(لأهل الذمة ما لنا وعليهم ما علينا)، فلم يستبيحوا لأنفسهم أن ينتهكوا حرماتكم أو يسلبوكم حقوقكم، أو ينتزعوا منكم دياركم وأموالكم، بل عشتم وإياهم إخوانا متساوين في الحقوق والواجبات، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى أو بعمل صالح.
لقد شيد العرب والمسلمون في الأندلس حضارة قامت على دعائم الحكم الصالح والعلم النافع، حتى صارت المنارة التي يشع منها نور المدنية والعرفان في أسبانيا وسائر أنحاء أوربة، فلم تنكرون عارفتهم، ولم تجحدون فضلهم وهم أساس نهضتكم وقوام حضارتكم؟
ألا فاتركوا للمراكشيين بلادهم، وارفعوا عنهم نير استعبادكم، واعلموا أنهم أباة أحرار لن