راقتني من كتاب (المشرقيات) للسير رونالد ستورس، على الخصوص، طائفة من الصور الوصفية لجماعة من مواطنيه الإنجليز الذين كان يعمل تحت رياستهم. وكان السير رونالد هو السكرتير الشرقي لدار المعتمد البريطاني في مصر، أو قصر الدوبارة كما كانت تسمى قبل الحرب، وقد ظل يعمل تسع عشرة سنة في مصر وفلسطين بعد فتحها وجلاء الترك عنها، ويقوم بأثقل الأعباء وأخطر المهمات، وهو يعد - في اصطلاح الوظائف - (ظهورات) والمراد بذلك أنه غير (مُثبت) ولا يحسب له معاش، ولا يمنح شيئاً سوى الشكر والثناء إذا ترك الوظيفة أو استغنت عنه حكومته. ولم ينتظم في سلك الموظفين الدائمين إلا بعد أن تخلى الجيش البريطاني عن إدارة فلسطين وأسلم الأزمة إلى حكومة مدنية برياسة مندوب سام
فهذه واحدة قد تكون فيها عبرة للمصريين
ومن أشهر المعتمدين البريطانيين الذين تعاقبوا على مصر قبل الحرب وبعدها اللورد كتشنر، وقد قص عنه السير رونالد بضع نوادر تصوره أبرع تصوير. منها أنه على أثر مقدمه، سبقه السير رونالد - وكان لا يزال المستر ستورس - إلى قصر الدوبارة، وجلس إلى مكتبه ينتظر أن يقرع له الجرس. وكانت حكومته قد أنبأته أنه سيكون مع اللورد كتشنر (تحت الاختبار) فإذا رضي عنه فبها، وإلا فهو مفصول لا محالة. ولم يكن المستر ستورس يرجو خيراً، أو يطمع في رضى رئيسه، فراح يحسب ما ادخره ليرى هل يكفي لنفقات السفر على الدرجة الأولى وهو عائد إلى بلاده. وإذا بالجرس يدق، فنهض ودخل على كتشنر يحمل إليه آلافاً من برقيات التهنئة التي تلقتها الدار
قال ستورس: (وكان الفيلد مارشال يحدق في مكتبه وهو يسأل عن هذه الأوراق ما هي. فأخبرته، فسألني ماذا أنوي أن أصنع بها؟ فقلت: إن رأيي هو أن التهنئات الواردة من أعضاء الأسرة المالكة ومن الوزراء الحاليين والسابقين يكون الرد عليها بضمير المتكلم إذا كانت هناك معرفة شخصية، أو بضمير الغائب إذا لم تكن ثم معرفة كهذه بينه وبين مهنئه،