حتى كتابة هذه السطور لم أطلع على (العقدة المنحلة) التي تفضل بها الأستاذ الكبير العقاد على الرسالة لأنه لم يأت دور الرسالة في مطالعاتي إلاَّ اليوم.
لم أدر لماذا زج الأستاذ الكبير بالفيلسوف القديم فيثاغوراس في مناقشته لمقالي الذي نشره المقتطف في أول هذا الشهر يناير بعنوان (الله وفلسفة الوجود). راجعت مقالي فلم أجد فيه ذكراً لفيثاغوراس الفيلسوف الذي سبق المسيح ببضعة قرون. فما الذي حدا الأستاذ الكبير أن يقول:(إني أرى أن فيثاغوراس لم يكن إلا مخرفاً سخيفاً حين قال أن الكون عدد ونغمة).
لم أذكر فيثاغوراس في مقالي الذي رد عليه الأستاذ ولم أقل هذا القول وإنما الآن أقوله ولعلي قلته في مناسبة قديمة لا أتذكر.
فيثاغوراس لم يكن فيلسوفاً في عرفنا اليوم وإنما كان عالماً رياضياً في عصره وله قضية خالدة هي قضية مربعات أضلاع المثلث القائم الزاوية. ولا تذكر هذه الفضية إلا مقرونة باسمه. والظاهر أن تعمقه في الرياضيات ساقه في تبحره في الكون إلى الظن أن العدد هو أصل الهيولي، أي المادة الأصلية. وربما كان هذا القول السخيف، بل لا شك أنه كان معقولا عند قومه وفي عصره حين لم يكن معروفاً عن المادة إلا ظاهرها. وفلسفة فيثاغوراس هي أن المادة مؤلفة من العدد (سبعة) لأن هذا العدد موجود في كل ظاهرة من ظاهرات الكون. فالسيارات سبعة في زمانه. والأنغام في السلم الموسيقية سبعة وألوان الطيف الشمسي سبعة، وأيام الأسبوع سبعة، والسموات السبع الطباق سبعة إلى غير هذا مما كانوا يعرفونه. فالعدد سبعة المقدس هو أصل الهيولي.
وأستاذنا الكبير العقاد يرى رأي صديقه المغفور له الأستاذ فيثاغوراس وبينهما نحو ٢٥ قرناً تقريباً. وهو يريد أن يؤيد هذا الرأي العتيق بالعلم الحديث الذي اكتشف ان المادة مؤلفة من ذرات مختلفة العناصر عددها ٩٢ ذرة، والذرة مهما اختلف عنصرها مؤلفة من ثلاث ذريرات البروتون والألكترون والنيروترون. ولكن خاب التطبيق بين فلسفة فيثاغوراس وعلم هذا العصر.