للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقابلات بين أقوال جحا وأقوال الشعراء والكتاب]

للأستاذ كامل كيلاني

١ - الأسلوب الجحوي

لقد كان الأسلوب الجحوي - ولا يزال - مثالا رائعا يفيض من إشراقه ومرحه على حقائق الحياة المرة فيكسوها من ألوانه الزاهية وإشراقا.

والأسلوب الجحوي الباسم: يكاد يقابل الأسلوب العلائي العابس. حتى ليبلغ جحا - أحيانا - في سبر أغوار الحياة بسخريته المرحة الباسمة ما يبلغه المعري بسخريته العابسة القاتمة.

وقد عرضت للموازنة بينهما في غير هذا المقام، فلأجتزئ بهذه اللمحة العابرة الآن.

وبحسبنا أن نعرض على القارئ أمثلة قليلة على ما نقول:

٢ - تقسيم الأرزاق

فنحن إذا استمعنا إلى صرخة (ابن الرومي) وحيرته في تقسيم الأرزاق، وما فيها من تفاوت يحار في تعليله اللب وينقطع منه نياط القلب حين يقول:

(لا تعجبن لمرزوق أخي هوج ... حظا تخطى أصيل الرأي طرافا

فخالق الناس أعراء بلا وبر ... كاسي البهائم أوباراً وأصوافا)

أو يقول:

(إن للحظ كيمياء إذا ما ... مسّ كلباً أحاله إنسانا

يفعل الله ما يشاء كما شا ... ء متى شاء كائنا مكانا)

أو أصغينا إلى (ابن الراوندي) ونستعيذ بلله من جرأته وتنطسه في إلحاده وكفره حين قال:

قسمت بين الورى حظوظهم ... قسمة سكران بّين الغلظ

لو قسم الرزق هكذا رجلا ... قلنا له: قد جننت فاتعظ)

إلى آخر ما يزخر به غلاة الساخطين الناقمين من أساليب تكاد لفرط عنفها تلتهب التهابا، وتكاد لغليانها تقذف بالحمم، وترمى بشواظ من نيران الفكر، ويكاد إهاب قائلها يتفطر من الغيظ والنقمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>