منذ بضعة أشهر، قضى في الستين من عمره شاليابين الممثل الروسي الأشهر، وكان أخلص أصدقاء جوركي، وقسيمَ حياته في شبابه وكهولته، ولجوركي فضل تحويله من نزعته الأرستقراطية إلى المذهب الاشتراكي. وخلف شاليابين فيما خلف ذكريات مخطوطة ورسائل منثورة تولى بعض أصدقائه نشرها في مجلة (العهد الجديد). ويمكن لمن يطالع هذه المذكرات والمقولات والقصاصات التي نشرت بعد طيها، أن يجدَ في أدب جوركي وفن شاليابين أدلة قوية على تأثير الأدب في حياة الأمم، وعلى تدخل الفنون والمواهب العقلية في كل ثورة طارئة على المجتمع. وهذا يذكرنا بما كان لسقراط وأفلاطون وسوفوكليس وأوريبيديس في اليونان، ولفيرجيل وإيبكتيت وسنيكا في الرومان، وفولتير وروسو في فرنسا، وإديسون وديفو وهيوم وبوكل وبنتام وكارليل في إنجلترا، وتورجنيف وجوجول ودوستيوفسكي وتولستوي وجوركي في روسيا
زعم بعض الدعاة أن جوركي نقم على صديقه القديم لينين بعض طرائق تفكيره ووسائل حكمه، وأنه غادر روسيا غاضباً ولم يعد إليها إلا بعد موت لينين؛ ولكن هذا النبأ كاذب، فإنهما عاشا وتعاشرا وافترقا على أصفى الود؛ وإنما أراد لينين بسفر جوركي إلى الخارج أن يكون بمثابة السفير العقلي ليفيد الروس من مجده الثابت في أذهان غرب أوربا، بينا هو كاتب عالمي يقوي جانب لينين بانضمامه ويعتز به. وقد ثبت من الوثائق التي أظهرها شاليابين أن كتب جوركي كانت تطبع وتنشر بالملايين في حقول روسيا وسهولها وبيوتها ومدارسها ومصانعها ومعاهدها أثناء غيبته في أوربا الغربية، تلك الغيبة التي عللوها بالجفوة بينه وبين لينين. ولو كان جوركي غاضباً أو مغضوباً عليه لم يكن ليستمتع بهذه الشهرة النادرة فقد أخرجت مطابع لينيجراد وموسكو وساراتوف ونيجسي نوفجورود في