للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سنتي ١٩٢٤ و ١٩٢٥ أكثر من أربعة ملايين نسخة من كتبه (المتشردون وكونولو وماريا المجدلية وتوماس جودوريف). وقد حبب جوركي إلى قلوب قرائه استقلاله في الأدب وغيرته على تكوينه الذاتي فقد أدب نفسه وربى عقله ولم يكن له أستاذ غير نفسه. لم يكن أناتول فرانس أول كاتب عظيم طلق اسمه، وخلعه وقذف به وتبرأ منه لثقله وعدم انسجامه وهو (تيبو) اسم سيئ الرنين في الأذن الفرنسية المرهفة الحس، وكذلك كان اسم جوركي مكسيموفتش بنشكوف، فاختصر الاسم ودفن اللقب وأحل محله جوركي ومعناه (ذو الغضاضة أو المرارة) وقد روى جوركي تاريخ أهله وترجمة حاله في طفولته وشبابه في رواية توماس جورديف. وإنه لشبيه بكل العظماء في اليتم، فكان يتيماً لطيماً، لفظه بيت الأسرة وتلقفته حوانيت المعلمين، وأركان الشوارع وسفائن الملاحة على نهر فولجا السحري الذي كرر ذكره في كتبه وخلَّد صور الحياة على ضفافه في قصصه الأولى، ومعظم أشخاصها من المفاليك والصعاليك والمنبوذين والمحاويج الذين علقوا بالنهر من قريب أو من بعيد. وتمتاز تلك القصص بالصدق لأنها مغمورة بالبؤس والضراء وخشونة الحياة وشظف العيش والإرغام على الصبر وتحمل المكاره التي حفت بها الدنيا. وتلقي التعليم الأول على يَد طاهٍ كان في بداية أمره من رجال الحرب، ثم وقف أمام الكانون يعد الطعام.

وطلب جوركي العلم في قازان والتمس العيش في مخبز وباع الفاكهة الفجة والناضجة في الأسواق. ويرجع إلى هذا العهد تلقين جوركي مبادئ الثورة الاجتماعية عن رجال ونساء كانوا يتخذون أزياء غير أزيائهم ويندسون في ثنايا المجتمع ليدعوا إلى الإصلاح. فيكون أحدهم أستاذاً في الجامعة أو طبيباً أو مهندساً ولا يأنف أن يستخفي في مباذل خباز أو عَجَّان أو خزاَّف. وقد عرض لجوركي أثناء تلك الفترة ألوان من المِحَن كاحتقار المثل العليا التي يخلقها الخيال - قصة (عشرون رجلاً وامرأة) - وسهولة الاتصال بالنساء واقتراف الجرائم في سبيل سد الرمق ومقاومة الجوع ولو بالقوت الضروري، وامتزاج الميول الجنسية بالحاجة المادية، وعجز الفاقة والشهوة عن خنق المواهب الكامنة في نفوس النوابغ والتي تظهر لأسباب طارئة تفِهة. فإن جوركي وهو في أشد حالات الضنك وأحط درك الاجتماع، كان مشتغلاً بحاضر العالم ومستقبله ومنابع الخير والشر في المجتمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>