صيد الخاطر لابن الجوزي: بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم إليه طعام، فقال: لا آكل، فقيل له: لم؟ قال: لأن نفسي تشتهيه، وأنا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي، فقلت: لقد خفيت طريق الصواب عن هذا من وجهين، وسبب خفائها عدم العلم. أما الوجه الأول فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن على هذا ولا أصحابه، وقد كان (عليه الصلاة السلام) يأكل لحم الدجاج، ويجب الحلوى والعسل. ودخل فرقد السبخي على الحسن وهو يأكل الفالوذج، فقال: يا فرقد، ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله، ولا أحب من أكله. فقال الحسن: لعاب النحل بلباب البر مع سمن البقر هل يعيبه مسلم؟ وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جاراً لا يأكل الفالجوذج. فقال: ولم؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره. فقال: إن جارك جاهل، وهل يؤدي شكر الماء البارد. وكان سفيان الثوري يحمل في سفره الفالوذج والحمل المشوي، ويقول: إن الدابة إذا أحسن إليها عملت. وما حدث في الزهاد أمور من الفن مسروقة من الرهبانية وأنا خائف من قوله تعالى (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) والوجه الثاني أنى أخاف على الزاهد أن تكون شهوته انقلبت إلى الترك فصار يشتهي أن لا يتناول، وللنفس في هذا مكر خفي، ورياء دقيق، فإن سلمت من الرياء للخلق كانت الآفة من جهة تعلقها بمثل هذا الفعل وإدلالها في الباطن به، مخاطرة وغلط.
شرح النهج لابن أبي الحديد: جاء فرقد السبخي إلى الحسن، وعلى الحسن مطرف خز، فجعل ينظر إليه، وعلى فرقد ثياب صوف، فقال الحسن: ما بالك تنظر إليّ، وعليَّ ثياب أهل الجنة وعليك ثياب أهل النار؟ إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه والكبر في صدره فلهو أشد عجباً بصوفه من صاحب المطرف بمطرفه. وقال ابن السماك لأصحاب الصوف: إن كان لباسكم هذا موافقاً لسرائركم فلقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، ولئن كان مخالفاً لها لقد هلكتم
في (الكتاب) الكريم العظيم:
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟).