للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في التصوير الإسلامي]

ليلى والمجنون

للدكتور محمد مصطفى

- ١ -

تقدمة

أحبّ قيس بن الملوّح ليلى العامرية، وبادلته الحب العفيف البريء، فلما فشا أمرهما حجبت عنه، فشق ذلك عليه، وجاء يخطبها إلى أبيها، فرفض أبوها أن يزوجه إياها، وزوجها غيره، فاشتد به الأمر، وحزن حزناً شديداً أفقده عقله، وقيل له: (المجنون) أو (مجنون بني عامر)، فكان لا يلبس ثوباً إلا خرقة، ولا يمشي إلا عارياً، ويلعب بالتراب، وهزل وطال شعر جسده، وهام في البرية مع الوحوش والظباء فألفته، وكان يشرب معها إذا وردت مناهلها، وهي لا تنفر منه، وظل هكذا حاله، يتغنى غرامه التعس، في أشعار جيدة رقيقة، إلى أن ماتت ليلى. . . فلحق بها

هذه قصة (ليلى والمجنون) مجردة من كل تنسيق وتنميق وتزويق، وهي قصة بسيطة. . . لا غريب فيها ولا عجيب. . . وهل هو غريب أو عجيب أن يعشق رجل امرأة، فيعبث به العشق ويودي بعقله وحياته. . . ولكن الذي يحيرنا حقاً أن تنال قصة قيس بن الملوّح وغرامه بليلى العامرية كل هذا الاهتمام بين القصص الغرامية الأخرى لشعراء العرب (العذريين) و (المحققين).

وليس يعنيني أن يكون شخص قيس بن الملوح تاريخياً أو غير تاريخي، وإنما الذي يعنيني أن هناك قصة غرامية هي قصة قيس بن الملوح. . . ولا يعنيني أن يشك بعض مؤرخي الأدب العربي في وجود المجنون، أو أن يبالغ البعض الآخر في إنكار وجوده، وإنما الذي يعنيني هو وجود (فن القصص الغرامي) عند العرب في القرن الأول للهجرة وتطوره حتى كاد يكون فنّاً مستقلاً على نحو ما نرى من فنون القصص الغرامي في الأدب الحديث، وأن يشق هذا الفن لنفسه طريقاً إلى الأدب الإيراني حيث تنال قصة (ليلى والمجنون) ما نالته من الحظوة في بلاد العرب، بل إنها تنفرد هنالك بأن ينظمها أكابر شعرائهم مثل نظامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>