للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في سبيل الله والأزهر]

للدكتور محمد يوسف موسى

أما بعد!!

فقد أردت نفسي جاهداً على أن أكتب اليوم في باب من الأبواب التي أكتب فيها المتصلة بالفلسفة أو الفكر عامة، فأبت إباء شديداً، وحتمت على أن تكون هذه الكلمة من الأزهر خاصة. ولا عجب! فأين كان الأزهر في كل أدوار تأريخه الطويل الحافل ملء الزمان، فهو هذه الأيام ملء الزمان والأسماع حتى استرعى انتباه البلد كله، وأفردت له الصحافة الكريمة مكاناً كبيراً، فنحن لا نعيش هذه الأيام إلا له ولا نفكر إلا فيه.

يتساءل كثير من الناس ممن لم يتبطنوا الأمر ولم يفقهوا ما يراد بالأزهر، عن السر في ثورة الأزهريين جميعاً طلاباً ومدرسين وأساتذة، هذه الثورة الهادئة الجادة الحازمة، وكيف أصبحوا يطلبون مطالب مادية كما يطلب الغير، وقد عهدوهم زهاداً في الدنيا حين يتكالب غيرهم عليها؟ ولهؤلاء المتسائلين على هذا النحو أتوجه بهذه الكلمة.

ما كان الأزهر في يوم من الأيام طالب دنيا، ولكنه صاحب رسالة يحرص على أدائها ويرجو أن يعان عليها، بل ألا يحال بينه وبينها. وهذه الرسالة في حفظ كتاب الله وحراسة شريعته، وإذاعة التعاليم الإسلامية في مصر وغير مصر من أقطار الأمة الإسلامية، والعمل على أن يكون هذا الكتاب الكريم وتلك الشريعة السمحة هما الفيصل في البلاد الإسلامية في نواحي التشريع والأخلاق والتقاليد.

وهذه الرسالة، على خطرها وجلالتها وثقل ما تقتضيه من تبعات، قام بها الأزهر فيما مضى من تأريخه الطويل، وعرفت له الأمة الإسلامية عظم الدور الذي يقوم به، فأحلته المحل اللائق ورفعته مكاناً علياً. أما اليوم فقد وضح، حتى لمن كان أعمى أو لمن لا يحب أن يتعمق الأمور وبرد النتائج إلى مقدماتها وأسبابها الأولى، أن القائمين على شؤون مصر في هذه السنوات لا يريدون أن يقوم الأزهر برسالته من حراسة الدين وأخذ الأمة به، حتى يتم لهم ما عملوا له زمناً طويلاً من فصل الدين عن الدولة فصلاً تاماً، ومن أن يكون مجتمعنا مجتمعاً لا يمت في مجموع مظاهره وتقاليده للشريعة بسبب قوي أو صلة متينة. ومن ثم راحوا يتحيفون حقوق الأزهر وأهله في عنت، ويتحدونه وأبناءه في جبروت،

<<  <  ج:
ص:  >  >>