ويحاولون صرف الناس عنه بطرق وأساليب شتى، ويجدون مما بين أيديهم من الحكم وأسبابه القوية في كل ما يريدون، بل ويجدون لهم أنصاراً ممن لا يريدون - فيما يزعمون - أن تتخلف مصر عن ركب الحضارة، كأن الإسلام الذي أوجد أكبر حضارة عرفها الإنسان أصبح حجر عثرة في سبيلها هذه الأيام!
هذا، وإنا نعتقد أن الحالة أو المحنة التي يمر بها الأزهر الآن، وسيخرج منها بفضل الله، وقد نفى عن نفسه الخبث وذاد عن عينه النوم الثقيل البغيض، هي نتيجة لسياسة وضع أسسها المستعمر منذ قرابة قرن من الزمان.
إن الاستعمار على ضروب مختلفة لكل منها وسائله، ولكن مهما يختلف المستعمرون في طرقهم وأساليبهم، فإنهم يتفقون على وجوب القضاء على قومية البلد المستعمر، وهذه القومية تقوم على الدين واللغة والتقاليد. وهذه الغاية قد يسير إليها المستعمر في عجلة وعنفوان كما فعلت فرنسا في الجزائر، أو في هون وتؤدة كما حاولت إنجلترا في مصر ونجحت فيه نجاحاً غير قليل.
لقد بدأ الأمر عندنا منذ زمن طويل بالتهوين من شأن الدين واللغة، وتحيف حقوق القائمين بهما، وجعلهم لدى الأمة في منزلة أدنى من نظرائهم في الثقافة والعمل والخدمات العامة للأمة؛ ومن ثم كان خريجو دار العلوم دون خريجي مدرسة المعلمين العليا منزلة وراتباً مع اشتراكهما في العمل في المدرسة الواحدة؛ وكان القضاة الشرعيون. ولا يزالون. دون القضاة الأهليين في المرتبة المادية والأدبية، مع الاستواء في الحكم بين الناس، وما لذلك من تبعات جسام؛ وكان خريجو الأزهر في منزلة أدنى من هؤلاء جميعاً.
ثم انقضى الاستعمار بحمد الله. ولكن بقي - لا أقول أذناب وصنائع - من يخدمون بعض ما كان له من غايات من حيث يدرون أو لا يدرون، فاحتطبوا في حبله زمناً طويلاً، حتى انتهى بنا الأمر إلى كثير مما كان يريد.
هاهو ذا أحد المسلمين، ممن لهم مكانة ملحوظة في البلد، يقول في كلمة نشرتها له أوائل عام ١٩٤٩ صحيفة إسلامية واسعة الانتشار:(ولا يخفى أننا في مصر نجرى، في حكمة واعتدال، على فصل الدين عن أمور الحكم وخلافات السياسة.)
وهاهو ذا آخر درس القانون وصار من المحامين، يقول في عريضة دعوى الآنسة