للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

١٠ - الفن

للكاتب الفرنسي بول جيزيل

بقلم الدكتور محمد بهجت

الفصل السابع - عن الأمس وعن اليوم

منذ بضعة أيام صحبت أوجيست رودان إلى متحف اللوفر إذ كان ذاهبا لمعاينة تماثيل أودون النصفية مرة أخرى. ولم نلبث أن وقفنا أمام تمثال فولتير النصفي وعندئذ صاح رودان:

(يا له من أعجوبة! إنه الخبث والدهاء بعينه. انظر! إن نظراته الشزراء لتبدو كأنها ترقب خصماً. أما أنفه فأقنى مستدق كأنه أنف ثعلب ليخيل إليك إنه يتشمم المثالب والمعائب من كل ناحية. ولتستطيع أن تراه بدمع. . . والفم! يا له من فوز عظيم! لقد خد بخطين من القذع والهجاء، ويلوح كأنه يغمغم بالتهكم والسخرية. ولا يسعك وأنت تنظر إلى فولتير هذا الذي يفيض نشاطاً وحيوية، ويغص سقاماً، والذي يعوزه الكثير من سمات الرجال - لا يسعك إلا أن تقول عنه إنه محدث بارع عجوز). وبعد فترة من التأمل عاود حديثه قائلا:

والعينان! إني لأرجع دواماً لمشاهدتهما. إنهما شفافتان، مضيئتان.

(ولكنك تستطيع أن تقول مثل هذا عن كل تماثيل أودون لقد أدرك هذا المثال كيف يجعل حدق العيون أكثر شفافية من أي مصور. إنه يخرقها ويثقبها ويبرزها، ويجعل بها معالي ومواطي بحيث تحدث تأثيراً فذاً عندما يقع عليها الضوء أو ينحرف عنها، ويقلد تلك اللمعة الحية التي بإنسان العين. وما أعظم ما تختلف التعابير التي بعيون كل هذه الوجوه! إنها تدل على الخبث من فولتير، وعلى الصداقة الطيبة في فرانكلن، والرقة المبهجة في السيدة هودون، وعلى المكر في ابنته وفي طفلتي برونيار الجميلتين. ولقد تعدل اللمحة عند هذا المثال أكثر من نصف التعبير، فهو يقرأ الأرواح من الأعين التي لا تخفى عليه سراً. ولهذا فلا داعي للتساؤل عما إذا كانت تماثيله مشابهة لأصحابها مشتبهة تامة).

وهنا استوقفت رودان سائلاً:

<<  <  ج:
ص:  >  >>