للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إذا أنت ترى أن المشابهة صفة هامة لازمة؟).

(لا ريب في ذلك فلا غنية عنها).

ومع ذلك يزعم كثير من الفنانين أن بعض التماثيل والصور يمكن أن تبلغ حداً كبيراً من الجمال من غير أن يتوفر فيها شبه قوي. وأذكر بهذه المناسبة حادثاً نسب إلى المصر إينر الذي شكت إليه سيدة من أن صورتها لم تأت شبهها. فأجابها بلهجته الإلزاسية:

(هيه يا سيدتي! بعد ما تموتين سوف يحسب ورثتك أنفسهم سعداء لأنهم يقتنون لوحة طيبة من ريشة إينر، ولكنهم سوف لا يجهدون أنفسهم البتة ليتحققوا مما إذا كانت تشبهك).

فقال رودان:

من المحتمل أن يكون المصور قال ذلك. وأغلب الظن أن هذا تسرع منه لا يمثل حقيقة أفكاره لأني لا أعتقد أن له مثل هذه الآراء الخاطئة في فن أبدى فيه براعة عظيمة وألمعية نادرة.

ولكن دعنا نتفهم أولاً مدى التشابه المطلوب توفره في تمثال أو صورة ما.

(إذا قصر الفنان نفسه على إظهار القسمات السطحية كما هو الحال في الفوتغرافية، أو إذا نسج معالم الوجه تماماً كما هي من غير ما رجوع إلى الخلق أو اعتباره فهو لا يستحق أي ثناء أو إعجاب. أما الشبه الذي يتحتم عليه إظهاره فهو شبه الروح. وهذا وحده بيت القصيد. وهو ما يجب على المثّال أو المصور أن يبحث عنه تحت ستار القسمات. وقصارى القول يجب أن تكون كل القسمات حافلة بالتعبير أو بمعنى آخر تكون ذات فائدة في الإفصاح عن شعور باطن).

(ولكن ألا يحدث في بعض الأحوال أن يكون الوجه مناقضاً للروح؟).

(وهل نسيت نصيحة لافونتين التي تقول: (لا تحكموا على الناس من ظواهرهم؟).

إن هذه النصيحة موجهة لأولئك الذين لا يتعمقون الأشياء، إذ كثيراً ما تخدع الظواهر نظراتهم العجلى. ويكتب لنا لافونتين أيضاً عن الفأر الصغير الذي حسب الهرة أعظم الحيوان حدباً وعطفاً. ولكنه يتكلم عن فأر صغير أي عقل غر ضعيف تعوزه القدرة على التمييز. ولا يسع من يدرس الهرة بإمعان إلا أن يجد في ظاهرها ما يحذره من القسوة التي تستتر وراء تناومها وتكمن في وداعتها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>