وفي مقدور من يستطيع قراءة الوجه أن يميز بين من يصطنع الحنان وبين من طبع عليه، وانه لمن أخص واجبات الفنان أن يكشف عن الحقيقة ولو من المظاهر الخادعة.
ولتقرير الحقيقة أقول إنه لا يوجد عمل فني يحتاج إلى كثير من التعمق مثلما يحتاجه التمثال النصفي والصورة الإنسانية. وقد يقال أحياناً إن حرفة الفنان تتطلب مهارة يدوية أكثر مما تتطلب فطنة وذكاء. وما عليك إلا أن تدرس تمثالا نصفياً طيباً حتى تستطيع أن تدحض هذا القول وتصحح هذه الأغلوطة. إن عملا كهذا خليق بأن يترجم له. وأنت حين ترى تماثيل أودون مثلاً تخالك تقرأ فصولاً من مذكرات مدونة، فترى فيها العصر الذي عاشت فيه، والحرف التي احترفتها، والأجناس التي انتمت إليها وأخلاقها الشخصية، ترى كل ذلك فيها واضحاً جلياً.
وهاهو روسو قبالة فولتير. ترى في نظراته حذقاً وذكا وفطانة بالغة. وهذه ميزة عامة امتازت بها شخصيات القرن الثامن عشر. كانوا نقده. كانوا يناقشون ويجادلون في كل المبادئ والمعتقدات التي كان مسلماً بها من قبل من غير ما تحقيق وتمحيص. كانت لهم أعين فاحصة باحثة نفاذة.
أما عن نشأته من عامة السويسريين. كان سوقياً غير مثقف بقدر ما كان فولتير شريفاً نابهاً. وبينما ترى عظم وجنتيه البارز، وأنفه القصير، وذقنه المربعة تبين فيه ابن صانع الساعات والخادم الذي امتهن الخدمة من قبل.
وأما عن حرفته فهو الفيلسوف بجبهته المائلة المفكرة، ينتمي لطراز قديم يتجلى في العصابة التقليدية التي تدور حول رأسه. زري الهيئة بشكل ظاهر متعمد، أشعث أغبر مما يجعله قريب الشبه من ديوجنيس أو منيبس هو المبشر الذي يدعو للرجوع إلى الطبيعة وإلى الحياة البدائية الفطرية.
(وأما عن أخلاقه الشخصية فترى تجهما في وجهه ينم عن كراهية للنوع الإنساني، وحاجبيه المقطبين وجبهته المغضنة، ترى فيه الرجل الذي يشكو بحق ويتذمر من الظلم والاضطهاد).
(قل لي بربك. أليس هذا التعليق على الرجل بأحسن وأدق من اعترافاته؟
(ثم هاهو ميرايو إنه عصر بأكمله. يبدو بحالة تحد. شعره المستعار مشوش غير مصفف،