للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بزته غير حسنة، وهيئته زرية، وكأن ريحاً من عاصفة ثائرة تمر على هذا الوحش الكاسر الذي يهم بالزئير أو يرعد بجواب على سؤال يلقى إليه.

(ولنتقص نشأته الآن: نتوسم في طلعته المهيبة، وحاجبيه الدقيقين المقوسين، وجبهته المرتفعة المتعجرفة شريفا كان في زمرة الأشراف، ولكن ديمقراطية خديه الثقيلين المجدورين ورقبته الغائرة بين كتفيه جعلت الكونت دي ريكتي - ميرابو - يجوز على تيير ويفوز بعطفه ومراحمه ومن ثم أخذ يدافع عنه.

(ولننتقل إلى حرفته: إنه القاضي، يبرز فمه إلى الأمام كأنه بوق على وشك أن ينفجر منه الصوت مجلجلا. يرفع رأسه عالياً لأنه قصير كما هو شأن جمهرة الخطباء. ونرى في مثل هذا الطراز من الرجال أن الطبيعة تزيد في قوة الصدر والأضالع على حساب الطول. أما العينان فلا تثبتان على شيء معين وإنما تدوران على جم غفير. يا لها من نظرة عظيمة غامضة! ناشدتك الله خبرني أليس من أجل الأعمال وتمام الفوز أن يمثل في هذا الرأس وحده جمعاً حاشداً بل أمة بأسرها تصغي وتستمع؟

ولنبحث بعد ذلك عن أخلاقه: لاحظ الشفتين الحساستين، والذقن المزدوجة، والمنخر المرتعد فترى الآثام والانغماس في الشهوات وطلب الملذات مرتسمة عليها جميعاً. نعم تراها كلها هناك. وإني لمخبرك بذلك.

وإنه لمن السهل الهين أن نقرأ في كل تماثيل أودون مختلف الأخلاق على هذا النمط.

وهنا أيضا تمثال فرانكلن: ترى فيه هيئة عظيمة، وخدين ثقيلين متدليين فتقول هذا هو الصانع السابق، ثم الشعر الرجل الطويل الذي يشبه شعر الرسل، وحب الخير والمعروف مرتسما فتقول هذا هو، ريتشارد المهذب الطيب القلب.

ثم إن جبهته العالية المائلة إلى الأمام تتسم بالعدد وتنم عن الثبات والصبر الذي أظهره فرانكلن في تحصيل علومه، وفي السمو بنفسه حتى أصبح معلماً نابهاً يشار إليه بالبنان. وأخيراً إلى تحرير وطنه. ذكاء جم تفيض به العينان ويكمن في زوايا الفم. على أن أودون لم ينخدع بجسامته فابان فيه مادية الرجل المالي الذي جمع مالا فأخلده، ودهاء السياسي الذي استظهر بواطن السياسة الإنجليزية. فها هنا نرى أحد أسلاف أمريكا الحديثة على قيد الحياة

<<  <  ج:
ص:  >  >>