منذ أيام شاهت عرسا. . . ولكن لا، فلن أتكلم عن العرس بل عن شجرة عيد الميلاد. . . لقد كانت حفلات العرس جميلة وأحببتها حبا شديدا ولكن حادثة شجرة عيد الميلاد أجمل. . . ولا أعرف لماذا أتذكر شجرة عيد الميلاد كلما رأيت عرسا. . . ولكن هذا هو الذي حدث:
منذ خمسة أعوام كاملة دعاني إلى حفلة راقصة أقيمت للأطفال خصيصا رجل من أغنياء التجار له قرابته، وله معارفه، وله أيضاً دسائسه. وقد ظهر لي أن تلك الحفلة لم تكن إلا ذريعة لكي يجتمع الآباء والأمهات ويتحدثون فيما يهمهم بتلك النزاهة المعتادة.
وكنت دخيلا في هذه الحفلة لأنه لم يكن لي بأحد شأن خاص. لذلك كان في استطاعتي أن اقضي هذه الحفلة بينهم وأنا بمعزل عن كل واحد منهم. وكان بين الجلوس واحد يشابهني في ذلك، فكان لهذا السبب أول من استرعى انتباهي، ولم يكن مظهره دالا على أنه ابن أسرة كبير أو أنه نبيل المولد. وهو طويل القامة نحيل جدا، تبدو عليه علائم المبالغة في الجد والوقار. وهو شديد الأناقة في ملبسه، ويظهر أنه لم يكن يميل إلى هذه الاجتماعات العائلية.
ولم أكد أدنو منه في الركن الذي هو جالس به حتى تزايلت ابتسامة كانت مرتسمة على وجهه. وعلا وجهه العبوس. ولم يكن يعرف أحدا ممن بالحفلة غير صاحب المنزل، وقد أبدى كل علامة على السأم والملالة وإن كان قد بقي إلى نهاية الحفلة وبه من الشجاعة ما بأي إنسان يقاوم نفسه حتى يحملها على ما تكره. وقد علمت فيما بعد أنه من أهل الأقاليم، وأنه كان يحمل خطاب توصية إلى مضيفنا، فدعاه هذا من باب المجاملة إلى حضور الحفلة. ولكن أحدا لم يدعه إلى لعبة الورق ولم يقدم إليه لفافة تبغ ولم يبدأ معه حديثا. ولعلهم كانوا ذوي فراسة فعرفوا الطائر في مسبحه بالجو من لون ريشه. لذلك قضى الليل في فتل شاربيه. وكان شارباه جميلين، ولكنهما كانا كبيرين حتى ليخال من يراه أن الله خلقهما أولا ثم خلق هذا الرجل تابعا لكي يفتلهما.