للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

البعث

للكاتب الفرنسي جي دي موباسان

- ١ -

لم يكن هناك في قرية (فيكامب) من يجهل تاريخ الأم (باتان) الحافل بألوان الشقاء. . . كما لم يكن يختلف اثنان في الحكم على قسوة معاملة زوجها لها طيلة حياته

اتخذها باتان زوجة له منذ عدة سنوات حين كانت في نضارة الصبا وقد حباها القدر بقسط وافر من الجمال والجاذبية. . . في حين كان هو بحاراً ماهراً عملاقاً اعتاد الذهاب إلى حانة العجوز (أوبان) لتناول أربع أو خمس كؤوس من الكحول. ولم يكن ذلك هو الحد الأعلى لملء فراغ معدته. . . بل كثيراً ما أرتفع ذلك الرقم إلى ثماني أو عشر كؤوس. . . ربما زادت على ذلك قليلا إذا ما كانت صفقة صيده رابحة. وكانت ابنة أوبان هي التي تشرف بنفسها على خدمة رواد الحانة الذين أسرتهم عيناها الحالكتا السواد، وامتلكت أفئدتهم بقوامها الرائع المشوق

ويوم جاء باتتا إلى تلك الحانة للمرة الأولى. . . واكتفى بإطالة النظر إلى الفتاة في شوق وحنين وهو يشير إليها من طرف خفي. وازدادت فتنتها في عينه حين ارتشف كأسه الأول. . فما كاد يأتي على الثانية حتى كان يلتهمها بعينيه في نشوة وشراهة. . واستقرت محتويات القدح الثالث في جوفه فتمتم قائلا دون أن يتم جملته (لو كان إمكانك فقط أيتها الآنسة ديزيري. . .)

ومع فراغ القدح الرابع كان باتان ممسكا بثوب الفتاة وهو يحاول تقبيلها

وتعددت الكؤوس. . واكتملت عشرا. . وحينئذ أرسل وبان العجوز أبنته إلى الخارج وراح هز بنفسه يشرف على خدمة البقية الباقية من زبائنه الساهرون. كان أوبان رجلا حاذقا لا تخفى عليه خافية. . . فكان يترك ابنته تنتقل برشاقتها لإغراء الزبائن حتى يستزيدوا من خمرة تاركها لها مطلق الحرية في توزيع ابتساماتها الرائعة وإرسال سهام عينيها إلى أفئدة المخمورين، وهو واثق منها كل الثقة دون أي محاولة من جانبه اكتشاف سر ذلك البريق

<<  <  ج:
ص:  >  >>