أراد متشنيكوف أن يفسر حصانة الإنسان من الأمراض فنسبها إلى كريات دمه البيضاء، وأسمى هذه الكريات بالفاجوسات ومعناها (الملتهمة) لأنها تلتهم المكروب الداخل في الدم فتهضمه وتعدمه. فالحصين من الناس من قويت فاجوساته على المكروب الغازي، والقابل للعدوى منهم هو الذي تضعف فاجوساته من المكروب فتنهزم أمامه. وقاد متشنيكوف الدفاع عن النظرية الفاجوسية في باريس، وقاد الألمان مدفوعين بالعداء السياسي للفرنسيين حركة منظمة ضد هذه النظرية. وعزوا حصانة الناس إلى بعض خصال في مصل دمائهم. وبالغ متشنيكوف في كراهة الألمان فلم يطق أن يسمع من أحد أن لمصل الدم شأناً في حصانه الإنسان أصلا.
الحَصانة واليهودي الأفَّاق
ولم يكن المعمل الذي استقله متشنيكوف في معهد بستور مملا فحسب، فقد كان فيه من الألوان ومقتضيات الفن ما في مَشغَل رسام وكان فيه من أسباب التفريج والتسلي ما في مِهرجان لهوٍ منصوب بقرية، وكان فيه من الحمية والحرارة واللذة القوية ما يجده المشاهد في سِرْك كثير الشِّعاب رحب الجناب، فلا تعجب بعد ذلك إذا علمت أن الشباب من أطباء أوربا قصدوه من كل ركن فيها يطلبون صيادة المكروب عنده؛ أما عقولهم فانطاعت عفوا لهذا الباحث الكبير، وقد كان كذلك منوّماً مغناطيسياً خطيراً، وأم أصابعهم فقد سبقتهم إلى إجراء عشرات الألوف من التجارب التي انطلقت من رأس أستاذهم حثيثة كما تنطلق الصواريخ في الألعاب النارية من أصولها المتفرقعة.
كأني بك تسمعه ينادي:(يا سيد سَلْتيكوف! هذا تلميذ للأستاذ بفيفار الألماني يقول إن مصل الخنزير الغيني يستطيع أن يحيي خنازير أخرى غينية من الموت بكوليرا الخنازير. فهل لك أن تتفضل بإجراء تجربة تمتحن بها هذه الدعوى؟) فلا يكاد يتلقى هذا العابد لسيّده