للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التفاؤل والتشاؤم وهل لهما أسباب تاريخية]

بعض غرائب الخرافات عند الغربيين والشرقيين

- ٢ -

نباح الكلب في الليل

من الخرافات الفاشية عند أكثر الأمم وبين الفلاحين عندنا، التشاؤم من إهلال الكلب، أي الصياح بين الأنين والنباح الغير العادي في الليل، ويسميه أهل الشام (العواء المقلوب) وفيه يقف الكلب وقفة منكرة ينظر فيها إلى القمر، ويشرع في عوائه الغريب الذي يكاد يقرب من عواء الذئب، فيظن من يراه على هذه الحالة أنه يدعو على أحد، ويناجي القمر لعله يساعده على جعل هذه الدعوة مستجابة، فيتشاءمون من هذا الصوت ويقولون أنه نذير شؤم يقع منه موت لأحد الناس. وأسلافنا المصريون هم في الأغلب الأصل في هذه الخرافة، فقد كانوا يؤمنون أن عزرائيل يتشكل في شكل ابن آوى، وكانوا يرسمونه في حفلات الجنازة والموت والحساب، وابن آوى يشبه الكلب كثيراً في هيئته، وربما كان له وللكلب قديماً اسم واحد، أو ربما كان الاعتقاد سائداً بأن الكلب يتلاقح مع ابن آوى، فلما زالت عقائد المصريين من الناحية الدينية الرسمية بقيت بين الفلاحين وانتشرت بين عامة الأمم الأخرى.

وربما يرجع هذا التشاؤم إلى الاعتقاد بأصل النجاسة التي يوسم بها الكلب عند العرب، ولكن يجب ألا نبالغ في الاعتقاد بنجاسة الكلب فان من العرب من كان يجله ويرعاه، ويعرف له فضله في الأمانة والحرص على مصالح مولاه. وقد قال كتاب (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، تصنيف الإمام أبي بكر بن خلف المرزبان في سنة ٣٨١ هجرية:

(والكلب أيدك الله منافعه كثيرة فاضلة على مضاره بل هي غامرة لها وغالبة عليها. ولم تزل القضاة والفقهاء والعباد والولاة والنساك الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا ينكرون اتخاذها في دورهم، وهم مع ذلك يشاهدونها في دور الملوك. فلو علموا أن ذلك يكره لتكلموا ونهوا عن اتخاذها. بل عندهم أنهم إذا قتلوا الكلب كان فيه عقوبة.)

<<  <  ج:
ص:  >  >>