كثيراً، ومهما يكن فهي تحدث تغيرا في أسلوب الوجدان، وكل نغمة تصلنا منها تؤثر في ادراكنا، وترتفع معها نغمات عاطفية في نفوسنا، ولا ينكر أحد ما لموسيقى الألفاظ من قيمة في الشعر، فهي ذلك الجمال الخفي الذي يستمد من غير المنظور مؤثرات ساحرة بديعة، ولقد كان شاكسبير يعنى بها عناية فائقة، حتى قيل انه يحب الألفاظ من أجل الألفاظ، لكن ينبغي أن ننبه إلى أن موسيقى كل لفظة موجودة معها في اللغة قبل وجود الشاعر، ولكن لا ننس أنه هو الذي يختار الألفاظ، ينتقيها ويجمعها في سلك واحد فلا نحس تنافراً ولا شذوذاً، وإنما نجد جمال التناسب والتوافق يتجلى فوقها ساحراً بديعاً، واللغات نفسها تهتم بموسيقى الألفاظ، ويتضح هذا في اللغة العربية في ألفاظ الاستغاثة والندبة والتعجب فان قدماءنا قلبوا ياء المتكلم التي تنتهي بها ألفاً حتى يشبعوا النغمة في هذه الألفاظ ويستتموا بها التأثير في الوجدان، وقد زادوا في ذلك فجعلوا لبعضها حرف نداء مخصوصاً هو (وا) ليزيدها قوة في الصورة، ويتناسب مع شدتها في المنطق، وهم قد فعلوا هذا كله ليدلوا على الانفعال الوجداني ويكون التأثير في قلب السامع أوفى وأقوى.
وليس من شك في أن تتابع المقاطع والأصوات وصور النبرات يجعل العقل مستعداً لنغمة خاصة، وينقل القلب إلى حالات وجدانية متماثلة، ويتبين هذا في أننا نصبح بعد قراءة بيت أو بيتين من الشعر مهيئين لسماع ما يوافق هذه الحالات الوجدانية التي هيجتها فينا الأصوات والنبرات الأولى، فإذا فوجئنا بمقاطع ونغمات جديدة أحسسنا بالفرق الظاهر والانتقال الواضح، على أننا يجب ألا نبالغ في ذلك، فان التأثير الذي يفد إلينا من الشعر لا يأتي من الضغط والمقاطع وتشديد الصوت وقوته، نعم تؤثر فينا هذه الأشياء تأثيرات مختلفة، ولكن هذه التأثيرات ليست كل شيء في الشعر فان قراءة الشعر ليست نغماً خالصاً، ولا شكلاً غنائياً تاماً.