للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شكلها الفني الجميل، أما الألوان فهي شيء إضافي يلحق بالخطوط بعد تكونها ووجودها، والشاعر كالمصور لا يختلف عنه في شيء إلا في المادة التي يصور بها، وان في الصورة المجتمعة، وندرة العناصر، وتناسب الجمع، لنوعاً سامياً من القوة الإلهية كما يقول فلوبير، وأهمية الصورة في الشعر ترجع إلى أنه لا يعبر عن الحقيقة كما هي وكما نجد عند النثر، وإنما يتخذ للإفصاح عنها طريقاً آخر، هو تمثيلها وتخييلها، وعرضها في صور خلابة ورسوم ساحرة، وهذا هو الذي حدا باليونان منذ القدم إلى أن يخصوا الشعر ببرهان قائم بنفسه، برهان لا يقوم على اليقين ولا يتخذ مقدماته من المنطق، وإنما يقوم على الإقناع والتمثيل، ويتخذ طريقه من التأثير والتخييل، ونحن نلحظ مع الأسف أن الشعر العربي لا يهتم بالصورة الاهتمام الواجب، وإنما يضع همه كله في الألوان والأضواء، ولا نكاد نجد فيه الخطوط الكثيرة التي تخلق الصورة خلقاً، وتبتكرها ابتكاراً، وتعمر قلبها بالحرارة والحياة، فمعظم شعرائنا يقف همهم من الصورة عند هذا النوع التافه الذي يسمونه مجازاً أو كناية، وما عرفوا أن هذه الأشياء هي أقل أنواع الصور قيمة بل هي في الواقع لا تزيد على أنها طريق من طرق التعبير، أما الصورة الصحيحة فهي أسمى من ذلك وأرفع، ولا بد فيها من تحضير لمواد طويل، وجمع للعناصر كثير.

وعلاقة الشعر بالرسم علاقة قوية شديدة، ولكن يظهر أن علاقته بالموسيقى أقوى منها بأي فن آخر، فقد نشآ معاً، ولكن تقدم الفنون فصل بعضهما عن بعض فاستقل كل منهما بوظيفة خاصة، على أن الموسيقى لا تزال تحتل الشعر ولا يزال أثرها واضحاً فيه، والشاعر في الواقع ليس إلا موسيقياً ساحراً يلعب بأنامله على قيثارته الشعرية فيطربنا بأنغامه، ويشجينا بألحانه، ويأخذنا بفيض وحيه وقوة إلهامه. والواجب على شعرائنا أن يدرسوا الموسيقى، وأن يعنوا بدراستها عناية كبيرة، فكثير من الألوان التي يؤديها الشعر ترجع إلى الموسيقى نفسها، ولقد استفاد اليونان قديماً من هذه الدراسة فوجدوا طريق الشعر في العقيدة كلها، بل في الرواية التمثيلية على طولها، واختلاف أشخاصها خلا الشعر الغنائي الذي كان يتخللها، ولقد كان الرومان يفهمون الشعر على أنه غناء أكثر منه شيئا آخر حتى تجوز بعضهم فسمى الشعراء باسم الموسيقيين، ويقول بعض النقاد أن الموسيقى هي سر السحر في الشعر وهي نفس صناعته، وكيفية تأثير الموسيقى الشعرية فينا يختلف فيها النقاد اختلافا

<<  <  ج:
ص:  >  >>