للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطائفة من الشعراء، فاستباحوا حمى أسلافهم الأقدمين وأغاروا على دواوينهم، واجتلبوا منها سبايا الأساليب والصور، ولكنها سبايا باردة جامدة لا تنبض قلوبها بحرارة ولا بحياة، والشركات كثيراً ما تعقد في هذه السبايا، ولكن الشعر للأسف لا يرج منها إلا ألفاظاً لا غناء فيها ولا قيمة لها ولو كان للشعر العربي حكومة لأخذت على أيدي هؤلاء المتشاعرين الذين لا يقعون منا إلا موقع الضوضاء الممقوتة المنكرة، فحرمت عليهم اجتراح هذا الإثم، أيا كان لونه، وأياً كان شكله، وإذن لاستراح الشعر العربي من عبء ثقيل يتعبه ويشقيه، ويمرضه ويضنيه.

ومما يدعو إلى العجب أن بعض النقاد أخذ يهيب بهؤلاء الشعراء، ويضع أيديهم على ما هم فيه من عيب ونقص، علهم يصلحونه أو يتخلصون منه، ولكنهم يعرضون عنه، ويصرون على ما يجلل آثارهم الشعرية من عيب، وما يسومها من نقص، وتضيع من وقت لآخر هذه الدعوات المخلصة، وتذهب كأنها نفخة في رماد، لا تبعث لهيباً ولا توقد ناراً، أو صحة في صحراء، تضيع في متسع الاجواء، وتفنى في منفسح الآفاق، ولو أنصف هؤلاء الشعراء أنفسهم لأصاخوا إلى هذه الدعوات المباركة واستجابوا إليها، وهل يحسن بهم أن يؤثروا العقم على الإنتاج، أو يستحبوا التقليد على الحرية؟ إنهم لو تدبروا لسارعوا إلى تخليص أنفسهم من ذل الجمود ورق التقليد، ففكوا عن أعناق شعرهم هذه الأفعى التي تحاول أن تخنقه على أن هذه الحياة الجديدة التي نأمل فيهم أن يستبقوا إليها، لن تكلفهم مشقة كبيرة. فان السبيل إليها سهل ميسر، وما عليهم إلا أن يلقوا محبة من نفوسهم على عوالم الفن الأخرى، فيثقفوا بها، ويجدوا في ذلك التثقيف، حتى يدربوا احساساتهم، حاسة حاسة، تدريباً طويلاً، وأكبر ظني أن هذا هو السبيل الواضح الذي يصل بهم على عجل إلى غايتهم المنشودة، ولعل من أمس هذه العوالم الفنية بالشعر، عالم الخطوط والحركة، أو ما يسمونه باسم (الرسم) ففي هذا العالم يستطيع الشاعر أن يمرن احساساته تمريناً تاماً كاملاً على التأثر بجمال الطبيعة والانفعال بمشاهدها الرائعة ومظاهرها الساحرة، ويظن كثير من الناس أن جمال الصورة يتركز في ألوانها وأضوائها، ولو كان الأمر كذلك، لكانت الصورة قليلة الجدوى، والواقع أن جمالها البديع يتركز في الخطوط وحركاتها واتجاهاتها، تلك الخطوط التي تعدل الصورة وتقومها وتنتهي بها إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>