أيا كانت الظروف والأحوال، فإن الاستعمار الغربي قد بدأ نهايته. بدأها في كل مكان، وبخاصة في العالم العربي الإسلامي الذي يصطدم بالاستعمار اليوم في جبهات متفرقة، ولكنها كانت متصلة. . يصطدم به اصطداما ظاهراً واضحاً في مصر، وفي تونس، وفي مراكش، وفي إيران، كما يصطدم بهد اصطداما خفياً في العراق وفي سورية. وحركة الجزائر ما تزال مستمرة، وفي هذه الأيام يقع اصطدام جديد على حدود اليمن. . وكلها حركة واحدة للخلاص. . وكلها تشير إلى النهاية المحتومة رغم جميع الظروف والأحوال.
ولقد كانت فرنسا تصطدم بالشعب التونسي وتسلط عليه الحديد والنار، وفي الوقت الذي تصطدم فيه إنجلترا بشعب الوادي وتسلط عليه الحديد والنار. . . نفس الوسائل، ونفس الأهداف، ونفس العقلية: عقلية الاستعمار، وعقلية المكافحين ضد الاستعمار.
إنها لم تعد حركات وقتية متقطعة محلية، تخمدها هجمة هنا وهجمة هناك. . إن الشعوب بأسرها تندمج في هذه الحركات التحررية. وبذلك تصبح هذه الحركات قوة تمثل اتجاه الزمن، وتشير إلى إرادة الله في الأرض، وتستمد الوقود من الشعوب لا من الأفراد. . وهيهات هيهات أن تقف القوة ضد اتجاه الزمن، وضد إرادة الله. .
ولقد كان الاستعمار يلجأ دائماً إلى الهيئات الحاكمة في كل بلد مستعمر، فيستعين بها الشعوب بها على الشعوب؛ ولكن الهيئات الحاكمة لم تعد تملك أن تقف في معزل عن حركة الشعوب. . وها نحن أولاء نرى مصداق هذا القول في مصر وفي تونس على السواء.
ففي مصر كانت حركة إلغاء المعاهدة تلبية مباشرة لضغط الشعب. . ولقد تغيرت الوزارة وجاءت وزارة سواها، فكان أول تصريح لرئيس الوزارة الجديدة هو السير في نفس الطريق التي رسمها الشعب، وإعلان الأهداف ذاتها بلا تلثم ولا تردد؟ لأن إرادة الشعب الواضحة لا يمكن أن يتجاهلها متجاهل، مهما تغيرت الوزارات.
وكان الحال كذلك في تونس. فالوزارة هي التي تصطدم بالاستعمار هناك، مع الشعب خطوة بخطوة. ورئيس الدولة الأعلى هو الذي في وجه العاصفة، فيعرض قصره للحصار،