كثيراً ما يتساءل المؤرخون والباحثون: لماذا لم يتخلص السلطان سليم العثماني من البقية الباقية من المماليك بعد أن تم له فتح مصر في سنة ١٥١٧م؟ ولماذا لم يقض عليهم قضاءً نهائياً حتى يستريح منهم ومن أحقادهم. . ويخلص البلاد من شرورهم وآثامهم؟
أكان ذلك ناتجاً عن ضعف الدولة العثمانية. . وعجزها عن القضاء عليهم. . أم كان ذلك. وفقاً لخطة موضوعة. . وسياسة مرسومة؟
الواقع أن السلطان سليما، كان رجلاً حربياً وإدارياً من الطراز الممتاز. . بحيث أننا لا نستطيع أن نقول أنه أخطأ في عمله هذا. . خصوصاً وأنه لم يرتجل سياسته التي سار عليها في حكم البلاد. . بل أنه فكر فيها كثيراً قبل أن يضعها. . وبقي في مصر. . فترة من الزمن بعد انتصاره على قوات المماليك، لتعرف على نظم الحكم فيها، ولوضع سياسة ثابتة، تضمن بقاء مصر تابعة له وللدولة العثمانية. . ولو كان السلطان يرى في وجود المماليك بمصر خطراً يهدده. لتخلص منه ولأفناهم عن أخرهم. .
لقد رأى السلطان ببعد نضره وثاقب فكره أن بعد مصر عن مقر الحكم في الآستانة. . قد يساعد حكامها وولاتها على الاستقلال عن الباب العالي، فقضى بتوزيع السلطة بين عدة عناصر: فالباشا ومعاونوه يمثلون السلطان العثماني ويحكمون الولاية ويشرفون على إدارتها. . والديوان يعاون الباشا في الحكم، وله حق عزله والاتصال رأساً بالباب العالي. . والحامية العثمانية تشترك في الحكم والإدارة أيضاً. . إلى جانب مهمتها الحربية. . ثم هناك إلى جانب هذه الهيئات الثلاث هيئة أمراء المماليك من رجال العسكرية. . يشتركون في الحكم والإدارة وفي الدفاع عن حدود البلاد وقد كان في مقدور السلطان وفي استطاعته أن يقضي على قوات المماليك. . خصوصاً وأن الدولة العثمانية كانت في ذلك الوقت في أوج قوتها ومجدها. . وكانت لها ممتلكات واسعة في البلقان والأناضول والشام وأرض الجزيرة والفرات، وكانت تتمتع بسيادة كبيرة على شبه جزيرة العرب. . فكان في إمكانه أن يشتت شمل هؤلاء المماليك ويفرق جموعهم. . ويقضي عليهم قضاءً مبرماً، حتى لا تقوم لهم بعد ذلك قائمة. . ولكن السلطان سليم أبقاهم في البلاد، لأنه كان في أشد الحاجة إليهم وإلى