جهودهم. . كما أن بقائهم في مصر كان متمشيا مع سياسة الدولة العثمانية في حكم الشعوب الخاضعة لها. فالدولة العثمانية لم تُغير كثيراً من نظم البلاد المفتوحة ولا سيما أن أمراء المماليك عاشوا في مصر مدة طويلة. . وعرفوا أحوالها، وخبروا عادات أهلها ونظم الحكم فيها. فكان من السهل عليهم أن يدبروا دفة الحكم في البلاد، بخلاف العثمانيين الذين لم تكن لهم سابقة عهد بمصر ولا بالمصريين. . ومن ناحية أخرى رأى السلطان سليم أن يترك أمراء المماليك يشتركون في حكم البلاد، ليحفظوا التوازن بين الوالي ورجال الحامية العثمانية وحتى لا يفكر أحد في الاستقلال بحكم البلاد والخروج عليه في يوم من الأيام. بقول على باشا مبارك في خططته التوفيقية. . الجزء السابع (لما أخذ السلطان سليم مصر. . ورأى غالب حكامها من المماليك الذين ورثوها عن سادتهم، رأى أن بعد الولاية عن مركز الدولة. . ربما أوجب خروج حاكمها عن مركز الدولة. . ربما أوجب خروج حاكمها عن الطاعة. . وتطلعه للاستقلال. . فجعل حكومة مصر منقسمة إلى ثلاث أقسام. . . كل قسم منها يشرف على القسمين الآخرين). .
من هذا يتبين أن إبقاء المماليك في البلاد، وإشراكهم في الحكم، كان الغرض منه أيجاد التوازن بين الهيئات الحاكمة، والاستفادة منهم في حكم مصر. .
ظلت سياسة السلطان سليم معمولا بها طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر. . واستمر هذا النظام نافذاً طوال هذه المدة. . كانت فيه الدولة العثمانية حافظة لمركزها وسمعتها الحربية؛ فلما ظهر ضعف تركيا الحربي وأنتشر الفساد والاضطراب داخل البلاد لم يعد هذا النظام نافذاً. . وأخذة قوة المماليك تزداد شيئاً فشياً حتى أصبحت لهم السلطة الفعلية في البلاد. . والسبب في ذلك أن المماليك كانوا يشترون الرقيق من جورجيا والقوقاز وبلاد اجركس وكانوا يأتون بهم إلى مصر. . ويدربونهم في سن مبكرة على أعمل الحرب والفروسية. . ويعلمونهم الكتابة والقراءة ويحفظونهم القرآن. . حتى إذا بلغوا الثامنة عشرة، رقوهم إلى رتبة البكوية وجردوهم ومنحوهم مالاً وأرضاً وجواري وهؤلاء يتزوجون بدورهم. . . ويملئون بيوتهم بالرقيق كما فعل أسيادهم من قبل. . . وهذا كان سبباً في كثيرة عددهم في البلاد. . . حتى أن عدد المماليك الكبار في أواخر القرن الثامن عشر عند زيارة (فولني) لمصر بلغ نحو (٨٥٠٠مملوَك) ينفق الواحد منهم على سلاحه