للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الذي نريده]

للأستاذ عباس محمود العقاد

ما الذي نريده من حياة جديدة للمصريين والشرقيين؟

الذي نريده كثير جدا من الطمأنينة التي مصدرها الشعور بالقوة، وقليل جدا من الطمأنينة التي مصدرها عدم الشعور

نريد أن نحس ذلك القلق الروحي الذي يحسه الغربيون على أثر كل معرفة جديدة، وفي إبان كل اضطراب جلل، وفي أعقاب كل دولة دائلة وفي مطالع كل مرحلة مقبلة. لأن القلق علامة النمو والحركة؛ والنفس تنمو فيضيق بها كساؤها، وتشعر بالحرج والتقلقل لا تستريح فيه ولا يريحها. وتحاول أن تخلع ما ضاق ورث، وتلبس ما اتسع وحدث. وهذا دواليك مادامت تنمو وتستقبل الأحوال بعد الأحوال والأطوار بعد الأطوار

أما الطمأنينة التي تستقر بصاحبها لأنه لا ينمو ولا يتحرك، فتلك مصاب يرثى له وليست بنعمة يغبط عليها: أرأيت الحيوان الأعجم تفارقه الثقة قط؟ كلا! إنه يشبع ويسمن وينظر إلى الدنيا نظرة الرضى والتحدي كأنه بلغ الغاية وأوفى على الرجاء. . . وهو قد بلغ الغاية حقا ولكنها غاية أقل من البداية، وأوفى على الرجاء حقا ولكنه رجاء أخبث من القنوط. وشر ما يبتلى به المصري والشرقي هذه الثقة وهذه الطمأنينة. فاللهم كثيرا جدا من القلق، وقليلا جدا من الراحة والركود

الذي نريده كثيرا جدا من الإيمان الذي يسكن بصاحبه لأنه نفي جميع الشكوك، وقليل جدا من الإيمان الذي يسكن بصاحبه لأنه يجهل الشكوك

الذي نريده كثيرا جدا من الخيال الذي لا يزال ينقلنا من واقع حسن إلى واقع أحسن، وقليل جداً من (حب الواقع) الذي لا يخرجنا مما نحن فيه، لأن النوم واقع عند النائمين، والجهل واقع عند الجاهلين، والفقر واقع عند الفقراء، والأسر واقع عند المستعبدين

زعموا أن الشرق مبتلى بداء الخيال والهيام بالأحلام

ألا ليت ما زعموه قد صدقوا فيه! ألا ليت الشرق يحلم ويتخيل، لأن الذي يعرف الحلم والخيال يعرف الأمل والطموح

أن (الطيارة) هي واقع اليوم ولكنها خيال الأمس. وهكذا ينتقل العاملون من خيال إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>