وإن الخبز والمتعة واقع عندنا اليوم، وواقع عندنا بالأمس، وواقع في جميع الأزمان، ولن يزال واقعنا الوحيد حتى نحلم ونتخيل فنطمح ونأمل ونحيا ونعمل، ونسوق الدنيا معنا من حال إلى حال، ونخرج بها في ركابنا من نطاق إلى نطاق
ألف ليلة وليلة ليست عالم الخيال والأحلام، ولكنما هي واقع العاجزين والضائعين، لأن خبزها هو خبز المائدة، غير أنه مفقود ليس بمأكول؛ ولذتها هي لذة المخدع، ومخدعها هو المخدع الذي ينال بالدرهم والدينار، لولا أن الدرهم والدينار ناقصان!! ومن يحقق ألف ليلة وليلة لا يحقق عالماً جديداً ولا فتحاً غريباً، ولكنما يحقق (الواقع) الذي عرفه الناس من أقدم الأيام ولا يستطيعون أن يفقدوا المال والحطام، وهما أيضاً من أوقع الواقع وأحس المحسوسات!!
فلا يقولن قائل إن الشرق يحلم لأنه يكتب ألف ليلة وليلة، بل هو مبتلى بالواقع محبوس فيه لأنه يحلم هذه الأحلام ويتخيل هذا الخيال
ألف شرقي يدين بواقع العاجزين فدى لشرقي واحد يبيع العيش الصغير بالأمل الكبير، ويحلم ويتخيل لينقل الواقع من طبقة إلى طبقة، ومن مجال إلى مجال
نريد كثيراً جداً من (الذوق) الذي مصدره الفهم واليقظة والدماثة.
وقليلا جداً من الذوق الذي مصدره التأنث والسقم والاصطناع
لقد شبع الشرق من ظرف الظرفاء الذين يصرخون من الهباء كما يصرخ الجسم الورم من لمس الذباب
وشبع الشرق من ظرف الظرفاء الذين يتحلون بالتثني والتأوه كما يتحلى بهما النساء
وشبع الشرق من ظرف الظرفاء الذين يبرمون بالجد كما يبرم به الصغار الهازلون
وشبع الشرق من ظرف الظرفاء الذين ليس منهم عامل في ميدان، ولا نافع لبني الإنسان، ولا مجتهد يحسن الاجتهاد، ولا فكه يحسن الفكاهة، ولا رجل عظيم أو مقبول في زمرة العظماء
شبع الشرق من هذا الذوق، فهو من شبعه هزيل الجسد والروح، وهو من شبعه أجوع ممن صام ألف عام