كنت فيما مضى أرسل عبيري على الأرقين فيرقدون، ولكن النوم لم يعد كافياً للناس في آلامهم، لم يعد الإنسان يكتفي بالوسن فهو يطلب الأحلام. لذلك كنت نسياناً فأصبحت أوهاماً.
لقد احتقر الإنسان عبيري المنوم فطمع بدمي المسكر، فهو يطعن قلبي بالنصال ويسقي من جراحي أشباح سلوانه.
لا تكاد زهرتي ترتفع عن التراب حتى أحس بالمسبر الجارح في قلبي مستنزفاً منه السائل المخدر يسكبه الناس في أحشائهم فيذهب بالأشباح إلى رؤوسهم.
عندما يرتشف الإنسان كأس دمي تستنبت روحه الأوهام أجنحة ترفعه إلى الأوج فإذا هو روح منعتقة من قيودها تقف لحظة في برزخ الحيرة ثم ترجع إلى أدراجها إلى الماضي أو تقتحم حجب المستقبل لترفرف على تذكاراتها أو آمالها.
مضى الزمن الذي كنت القي فيه ببذوري إلى الناس فيجدون بمنقوعها الوسن الهادي بعد منهكات الجهود، ذلك زمان كنت فيه مبعث الأحلام الهادئة الجميلة. ذلك زمان كنت فيه احمل الآمال الباسمة بالإيمان. فأقف إلى جنب فراش الأم لأريها سعادة طفلها. وأحوم حول فراش اليتيم لأريه أمه محنية فوق جبينه تهديه بركتها بقبلة سماوية.
في ذلك الزمان كنت زهرة التعزية أعيش بسكون وانقضي بسلام بعد حياة تنيرها بسمات الربيع.
من هدى الناس إلى دمى يستقطرونه شرابا يقتلهم ويقتلني ولكن على ما احزن. . . أفليس الشاعر أخي، أفليست أشعاره كدمي كلاهما يقبضان على الروح ويرفعان بها إلى أجواء الخيال.
أن شعر الشاعر ودم الخشخاش كلاهما السم القاتل أمن يجود بهما ولمن يسكر بهما.
لقد كان الخشخاش جالباً للنوم وكان الشعر منزلا للتعزية فما كلاهما اليوم إلا سيال للسكر والجنون.