. . . لقيني صاحبي ذاك - أو صاحب ألبها زهير - على محطة سيدي جابر، متهلل الوجه، منطلق الأسارير. . . قال: لقد وجدت لك داراً هادئة توافق أمثالك الشعراء!
قلت: خير وبركة، وشكرت وانطلقت إلى الدار
ولكن ماذا؟
يا لعنة الله! أهذه هي الدار التي وتوافق الشعراء؟ أهذا هو الشعر عندك يا صديق ألبها زهير؟ يا رحمة للشعر والشعراء!
أيها القارئ:
أرأيت السراديب والكهوف؟ أم هل سمعت عن السراديب والكهوف؟ تلك هي الدار التي فهم صاحبنا إنها توافق أمزجة الشعراء!
تلك جناية بعض المتصعلكة على الشعر، فلقد مرت فترة كان الشعر فيها هو البؤس، أو هو التباؤس، ولم يكن الناس يصدقون أن فلاناً شاعر إلا إذا بدا في مزق مهلهلة، منتكث الشعر، يضم تحت إبطه (رزمة) من ورق الصحف القديمة، ويحشو جيوبه الممزقة بخرق من الورق الخلق، وقطع من علب السجائر وما إليها، دون فيها شعره، ولا بد أن يقول للناس: إنه جائع، وانه (خرمان) سجاير و (كيوفاً) أخرى. . . وإلا فما هو بشاعر!
ووجد هؤلاء بعض من يعطف عليهم، أما تظرفا وتباهيا بالعطف على الشعراء، وأما رحمة حقيقية لهذه الحال البائسة!
وكان هؤلاء البائسون، أو المتبائسون، يعيشون في جحور أو يقولون: إنهم يعيشون في جحور، ويصفون (صراصيرها) وفيرانها وعناكبها في كلام يهتزله بعض الناس - ولو لم يكن فيه شيء من الفن - لمجرد التظرف والتفكه، ومن هنا اختار لي صاحب ألبها زهير، تلك الدار. . .!