لعل من الغريب أن نرى الديمقراطية الأثينية لا تفي تيموستوكل حقه من المجد والسلطان بعد انتصاره في معركة سلامين، بل على العكس من ذلك تنكرت له. ونحن لا نستطيع أن نبخسه حقه كما فعلت معه الديمقراطية الأثينية، فشأنها في هذا ربما لا يختلف في قليل ولا كثير عن شأن الديمقراطيات الأخرى في القديم أو الحديث. ويحدثنا هيرودوت أنها ذهبت إلى أبعد من هذا فعملت على أن تتخلص منه، فأرسلته في بعثة إلى إسبرطة ليطلب إليها أن تمد يد المعونة الحربية إلى أثينا في أقرب فرصة ممكنة، ولكنه فشل في هذه البعثة وعاد إلى وطنه فاستقبله مواطنوه استقبالاً فيه شيء كثير من الفتور، وأخذ عليه الأثينيون بوجه خاص كبرياءه وغطرسته، وحان وقت الانتخابات فلم يظهر اسمه من بين المنتخبين ليكونوا الاستراتيج العشرة وهم المشرفون على الحكم في الدولة، وأبعدوه عن الحكم وفضلوا عليه زعيم المحافظين وهو أرشيد. ولعل هناك وجهاً للمقارنة بين هذا الموقف وموقف الديمقراطية الفرنسية غداة انتصارها في الحرب العالمية الكبرى الماضية، إذ تنكرت هي الأخرى لزعيمها وصاحب الفضل في انتصارها وهو كليمنصو فلم تنتخبه رئيساً للجمهورية؛ بل فضلت عليه شخصاً دونه في العبقرية، بل إنه يعد في حكم المتوسطين. وتعليل هذا بسيط: ذلك أن الديمقراطية تخاف على نفسها من هؤلاء الأبطال الذين يحرزون لها هذا النصر ويشيدون لها هذا المجد أن تحدثهم أنفسهم أن يحكموها عن طريق العنف والاستبداد ككل دكتاتور يستبد بالسلطة بعد اشتداد أمره وازدياد أتباعه، أو بعد نصر يصيبه في معركة التحم فيها أو بعد نجاح في بعثة أوفد إليها. ومن الطبيعي أن يكون عدم عرفان الجميل على هذا النحو سبباً من الأسباب التي أدت إلى حفيظة تيموستوكل ضد بني قومه، فكانت هذه الغلطة في نظرنا أولى الخطوات التي أدت إلى تطور ثيموستوكل من جانب اليونان إلى جانب الفرس حتى جعلته يقلع عن خدمتهم إلى