وبالرغم من هذا يتجاهل تيموستوكل كل هذا التنكر وينسى نفسه ومطامعه ومصالحه الشخصية فيتفق مع خصمه ومنافسه الزعيم أرسيتد على برنامج للإصلاح القومي الغرض منه بعث أثينا وإعادتها إلى الحياة بعد أن كانت قد أوشكت على الفناء على أثر غزوة أجرزسيس لها، وذلك ببناء ما دمر من بيوتها وإصلاح ما خرب من أراضيها، وكان أساس هذا البرنامج العبارة اليونانية الشهيرة التي مؤداها أن يجعل أثينا تعتمد على ميناء بيريه، وكذلك الأرض تعتمد على البحر.
وهذا البرنامج واسع شاسع لا يمكنه أن يتمه في يوم وليلة؛ لذلك نجده يفضل الأهم على المهم، والضروري على الزائد عن الحاجة، فيشجع على البدء أولاً بإقامة التحصينات اللازمة للدفاع عن الدولة بعد تخريب الفرس لها، أما بناء البيوت وإزالة الخرائب والأنقاض عنها؛ وأما إقامة المعابد الجميلة التي تناسب الآلهة فإنه يعمل على تأخيرها إلى فرصة أخرى مناسبة؛ ثم نراه يحث قومه على الإسراع في بناء هذه التحصينات حتى يتموها في شهر واحد تقريباً، وكانت نتيجة هذا كله أن أصبحت أثينا محاطة بسور متين بلغ طوله ٩ كيلومترات.
وأنت لا تستطيع أن تظن أن تنفيذ هذا البرنامج سهل يسير، كلا ثم كلا! ذلك أن أعداء أثينا واقفون لها بالمرصاد، مثل الدول المحيطة بها، كأريجينيا وميجارا وكورنث. وقد فهمت هذه الدول القصد الذي ترمي إليه أثينا، فأخذوا يتربصون لها ويحقدون عليها، وعلى الأخص بعد موقعة سلامين، لأنها كانت تعتبر صاحبة الفضل الأول في إحراز النصر لليونان جميعاً، وقد طلبت هذه الدول إلى إسبرطة التي كانت على رأس الحلف البيلوبونيزي أن تعمل على هدم هذه الأسوار، فهي تخاف من أثينا أن تستطيع وحدها الوقوف على أقدامها فتنجح في الدفاع عن استقلالها ضد كل دولة تحدثها نفسها بغزو أرضيها؛ فإذا تمكنت من الدفاع عن هذا الاستقلال والمحافظة عليه ربما أمكنها أن تلعب دوراً مهما في البيلويونيز وفي غير البيلويونيز. وقد لبت إسبرطة هذا النداء وأرسلت سفراء من لدنها يتكلمون باسمها أمام المجالس الأثينية، ولكن تيموستوكل يفسد عليهم خطتهم بسلوكه مسلك الختل والخداع؛ فهو يحرص قبل كل شيء على أن تقام هذه