للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التحصينات في أقرب وقت مهما كلف ذلك من جهد وعناء، فتمكن من أن يحصل من مجلس (البولي) على قرار بإرساله هو على رأس سفارة إلى إسبرطة لمفاوضة أهل الحل والعقد هناك، وفي الوقت نفسه طلب إلى أعضاء سفارته هذه أن لا يبرحوا أثينا حتى يتم بناء هذه التحصينات؛ ثم ذهب إلى إسبرطة وأخذ يفاوض ويفاوض ويماطل في المفاوضة حتى فطن إلى ذلك أعداؤه وأعداء بلاده، فنبهوا إسبرطة إلى هذا الخداع وطلبوا إليها الإسراع في العمل على تنفيذ رغبتهم حتى لا يفلت الأمر من يدهم ويدها. فترسل إسبرطة سفارة ثانية إلى أثينا ولا تكاد تصل هذه السفارة إلى هذه المدينة حتى تكون الأسوار قد تمت بفضل تفاني جميع المواطنين من شيب وشبان ونساء وأطفال في إتمامها، فاستطاع بعد ذلك أعضاء وفد تيموستوكل مبارحة أثينا والانضمام إليه في إسبرطة، فلما رآهم قد أصبحوا إلى جانبه خلع النقاب وكشر عن الأنياب ورفع الصوت عالياً معلناً لكل من يريد أن يستمع له أن بلاده لا تخضع لوعيد ولا لتهديد، وأنها إذا أرادت أن تأتي أمراً في داخل بلادها فهي وحدها صاحبة الأمر في ذلك، وهي حرة التصرف في شؤونها الداخلية لا تقبل من أية دولة ولا من أية جهة أن تتدخل في أمورها؛ لذلك فإنها ترفض طلب إسبرطة وحلفائها. وما استطاع تيموستوكل إعلان هذا الرأي إلا بعد أن رأى أن وطنه قد استطاع الظفر في الحرب ضد الفرس، بل وأن هذا الظفر يرجع قبل كل شيء إلى جهود بلاده وتضحياتها، فإن كانت الدول اليونانية الأخرى قد ساهمت في إحراز هذا النصر العام فإن هذه المساهمة ضئيلة لا تعد شيئاً مذكوراً إلى جانب ذلك المجهود الجبار الذي بذلته أثينا، فالعدو قد ضرب أراضيها وأنتهك حرمة معابدها وأراضي آلهتها، والأثنيون بعد ذلك شردوا أيما تشريد، وهاجروا من وطنهم إلى بلاد سلامين على نحو ما ذكرنا في المقال السابق، والأرض الأثينية كانت الميدان الذي قاسى الأهوال، وتحمل الكوارث والمصائب. أما البلاد الأخرى في البيلوبونيز فلم تقاس شيئاً من أهوال هذه الحرب. أفهل يحق لها بعد ذلك أن تقسو على أثينا، وأن تطلب إليها أن تكون مجردة من كل وسيلة من وسائل الدفاع، وخاصة وأن تيموستوكل ومعه الأثينيون ما يزالون يعتقدون أن الحرب لم تنتهي وأن الفرس ربما يربحون مرة أخرى لغزو بلادهم؟ كلا! إن ذلك لا يمكن أن يحدث بعد الآن فالدولة الأثينية قد أصبحت رشيدة تستطيع أن تدافع عن مصالحها وحقوقها، بل وأن تذهب

<<  <  ج:
ص:  >  >>