للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في التيه!]

للأستاذ سيد قطب

شيطان الحقيقية

لا تقرب. لا تقرب. إنها هكذا جميلة!

ماذا تريد! أبتغي أن تحقق فيها، وأن تمتحن صدق النظرة البعيدة؟

كلا. كلا! إنني لأشفق أن تبديها النظرة القريبة شوهاء، أو أن تظهر بها بعض الندوب والخدوش!

هي جميلة هكذا ونحن من بعيد؛ فماذا نبغي غير أن نراها جميلة؟

الحقيقة؟! ويحك! ومن أدراك أنها تبدو دائماً على مقربة؟ ولم تكون الحقيقة هي التي نراها على هذا البعد البعيد؟ وهبها ليست كذلك، فماذا يضيرنا؟ ولماذا نصر على رؤيتها عن كثب إذا كانت من بعيد تبدو لنا جميلة؟

إن قصارى ما تستطيع الحياة أن تهبنا إياه أن تبدي لنا الأشياء جميلة. فلماذا نصر نحن على نبذ هذه النعمة بحجة البحث عن الحقيقة؟

ألا ويح هؤلاء الفانين في العالم الأرضي المحدود! إن الشيطان قد نفس عليهم نعمة الوهم التي منحتنها إياهم السماء، فجعل يوسوس لهم باسم الحقيقة، ليخرجهم من هذا النعيم، وهم يحسبون أنفسهم الرابحين!

جمال الظلال

هذا المخلوق الشائه القبيح. هأنذا أرى ظله جد جميل! إنه يقفز في رشاقة ويتراءى في رواء. إنه يتثنى ذات اليمين وذات الشمال كتمثال حي من تماثيل الجمال. إن هذا الظل ليبدو طليقاً من قيود التقاسيم والألوان

ألهذه الطلاقة يا ترى هو جميل؟

وهذه الشجرة الباسقة النامية، إنها جميلة ولا شك، ولكن ظلها أجمل! إن حركاته أرشق، وخطراته أشف، إنه يتمايل هكذا وهكذا في شبه حرية لا تتمنع بها الشجرة

ألهذه الحرية يا ترى هو جميل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>