إن من ألزم اللوازم للمسلمين - كأمة في مجموعهم - صحيفة تنطق بلسانهم، وتعبر عن مشاعرهم وعواطفهم، وتدعو إلى مبادئهم وتوضح أهدافهم، وترسم الطريق إلى الخلاص من آلامهم، وتحمل بصدق وعزيمة رسالتهم إلى الدنيا مشرقها ومغربها. .
أجل! إن المسلمين - كأمة في مجموعهم - في أمس الحاجة إلى هذه الصحيفة التي تبعث الشعوب الإسلامية المبعثرة الممزقة من مرقدها، فتربط بينها برباط وثيق من الأخوة الصادقة، والتي تثير خواطرها، وتستفز همها، حتى تزيح عن أعناقها أرباق العبودية والمسكنة، وعن كواهلها أعباء المذلة والهوان، والتي تعرض الإسلام من جديد، دينا خالصا، وإسلاما مصفى، لا دخن ولا دخل.
وقد أدرك حاجة المسلمين إلى صحيفة تنطق بلسانهم، الحكيم الثائر (جمال الدين الأفغاني) وصنوه (الإمام محمد عبده) فأخرجا إلى الوجود (مجلة العروة الوثقى). وكانت تنشر في باريس حيث كان المجاهدان قد اتخذاها وطنا ثانيا لهما، أو اتخذها الاستعمار منفى لهما؛ ولم يقد لهذه المجلة الثائرة الملتهبة أن تعمر طويلا، بعد أن لاقت ما لاقت من عنت الاستعمار واضطهاده.
ثم قام بعدهما بهذه المهمة الدقيقة الثقيلة تلميذهما (السيد محمد رشيد رضا). فأخرج إلى الوجود مرة ثانية مجلة (المنار) سار بها على نهج سلفيه الصالحين، فكانت بحق شعلة متقدة، وجذوة ملتهبة، استطاعت أن تلفت إليها أنظار المسلمين في كل بقعة إسلامية. كانت سياسة متطرفة تحمل على الاستعمار الأجنبي في أية أرض إسلامية، وتناهض حكومات الشعوب المسلمة الإقطاعية، منددة بها، ومنذرة إياها بأوخم العواقب، ولقد توقف ظهورها بعد أن لحق صاحبها ومنشئها بالرفيق الأعلى وإن كان جهادها ظل متواصلا بما تركته من أثر فعال في نفوس الأغيار من المسلمين، وبما تركته مجلداتها الضخمة من آثار علمية ستبقى خالدة ما خلدت السماوات والأرض إن شاء الله تعالى.
ثم مرت فترة طويلة حرم المسلمون خلالها لسانهم الناطق، حتى أخرج لهم الشهيد الأعزل (حسن البنا) مجلة (الشهاب) فكانت شهاب يضيء ويحرق، يضيء السبيل نحو الحياة