في ميونخ هزمت الديمقراطية آلم انهزام، وانتصرت الدكتاتورية أعظم انتصار. فخسرت فرنسا وبريطانيا نفوذهما السياسي، وتضعضع مركزهما الدولي، وانتقلت السيادة الأوربية، في هذه الأيام على الأقل، من يدهما إلى يدي الهر هتلر والسنيور موسوليني. لذلك نعت اتفاق ميونيخ بأنه (اتفاق الذل والهزيمة) ووصف بأنه (الحد الفاصل بين عالمين). فما هي العوامل التي أرغمت فرنسا على قبول هذا الانهزام؟ وما هي الأسباب التي دعت المستر تشمبرلن إلى التسليم لمشيئة الهر هتلر؟.
على أثر اتفاق مونيخ ثار الرأي العام في تشيكوسلوفاكيا ساخطاً على فرنسا، ومتهماً إياها بالخيانة، وملقياً عليها مسؤولية ما أصابه من انهزام وذل وفقر، وما أصاب بلاده من تمزيق وضعف. وأصبح الشعب التشيكوسلوفاكي يبغض الحكومة الفرنسية، صديقته الحميمة، بغضاً لا مزيد عليه. حتى أن الظواهر الفرنسية، من مؤسسات علمية وطائرات وسيارات، في تشيكوسلوفاكيا، التي كانت قبل اتفاق مونيخ تثير احترام الشعب التشيكوسلوفاكي لفرنسا وإعجابه بها، أضحت بعد اتفاق (الذل والهزيمة) تثير البغض لحكومة باريس والحقد عليها. وعمل الشعب التشيكوسلوفاكي وحكومته على الابتعاد عن فرنسا، وقطع الصلة بها، وطمس آثارها في بلاده. ولتحقيق ذلك أبدلت البلديات أسماء الشوارع الفرنسية بأسماء تشيكية وألمانية، وألغت حكومة براغ تدريس اللغة الفرنسية في مدارسها كلغة إجبارية، واستعاضت عنها باللغة الألمانية، وقطعت عن المعاهد العلمية الفرنسية في بلادها ما كانت تقدمه لها من مساعدات مالية. واستبدلت دور السينما التشيكوسلوفاكية بالأفلام الفرنسية أفلاما ألمانية. . .
فهل كان الرأي العام التشيكوسلوفاكي مصيباً في اعتقاده خيانة فرنسا له؟
منذ اشتداد المشكلة التشيكوسلوفاكية ورجال الحكم في باريس يعلنون أن فرنسا ستقف بجانب حليفتها. ولتأكيد ذلك اتخذت الحكومة الفرنسية، حين اشتداد الأزمة السياسية بين برلين وبراغ، إجراءات حربية واسعة المدى. وكان كل شيء، النية والعزم والعمل، يدل