على أن الحكومة الفرنسية جادة في قولها، لا تود ترك حليفتها تذهب ضحية اعتداء ألماني. وكان ذلك رأي الجيش في فرنسا أيضاً، إذ أن رئيس أركان حرب الجيش الفرنسي ختم التقرير الذي قدمه لحكومته بقوله:(إن الصعوبات كثيرة ولكن يجب أن نمشي)
وبينما كانت فرنسا جادة في استعداداتها الحربية للدفاع عن تشيكوسلوفاكيا، أعلمتها وزارة خارجية إنكلترا أن آلاف الرسائل التي تلقاها المستر تشمبرلين من سائر أنحاء الممالك المتحدة، تحتم عليه إنقاذ السلم على أي حال، وأنه يعتبر ذلك دليلاً على أن الرأي العام البريطاني غير مستعد لخوض غمار الحرب من أجل تشيكوسلوفاكيا. فأدركت الحكومة الفرنسية أنها لن تستطيع الاعتماد على الحكومة الإنكليزية، وأن ثباتها قد يكون مقامرة خاسرة. ووجدت نفسها في آخر الساعة في ظروف لا تمكنها من الإصغاء إلى رأي الجنرال كاملان، فاضطرت إلى التسليم، وإلى أن تسير مع إنكلترا موافقة على ما عزم عليه المستر تشمبرلين. لأن القوى الفرنسية وحدها، مع عظم أهميتها، لا تستطيع مقاومة القوى الهائلة المتأهبة للحرب في بلاد الدكتاتورية
وأما سياسة حكومة لندن، وتصريحات رجالها فكانت تدل على أن الحكومة البريطانية لا تريد الوقوف بجانب حكومة براغ، مدافعة عن حقوقها، وصادة التوسع الألماني في أوربا الوسطى.
بل كانت هذه السياسة، وهذه التصريحات دالة على أن حكومة لندن عازمة على عدم خوض غمار الحرب، وعلى تسوية النزاع الألماني التشيكوسلوفاكي بأي ثمن كان، تلافياً للحرب، على رغم ما في ذلك من انهزام شنيع وأخطار فادحة لها ولحليفتها فرنسا
لم يضحَّ المستر تشمبرلين في مونيخ بما أوجدت السياسة الفرنسية خلال عشرين عاماً من قوى دفاعية فعالة ضد الاعتداء الألماني، ولم يُمكن رئيس وزارة إنكلترا، الهر هتلر من السيطرة على أوروبا بتسليمه بمطالبه في تشيكوسلوفاكيا، حباً في السلام فقط، بل هناك أسباب قاهرة دعته إلى هذا التسليم. وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين: الأول منهما يتعلق بمسائل حربية، والثاني يتصل بعوامل نفسية نفعية
إن الدولة الكبرى الوحيدة التي نزعت فعلاً سلاحها فيما بعد الحرب العظمى هي بريطانيا العظمى. ويرجع ذلك إلى سياسة حزب العمال، الذي كان يرأسه المستر رمسي مكدونالد.